أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الرابعة والتسعــون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

الحق له قوة ذاتية نابعة منه ومن تجافيه عن الباطل، ويستطيع دعاة الحق أن يصلوا به إلى عقول ‏الناس، بما احتواه من الحجج والبراهين الدالة عليه، ولا يحتاج الحق في إقناع الناس به إلى قوة تجبرهم ‏أو تكرههم على القبول به واختياره، فإن قوته فيه، ومتى ما احتاج الحق إلى الإكراه لتحقيق الاقتناع ‏بأدلته وبراهينه لم يكن حقا، لذا جاء النص بنفي الإكراه في الدين وذلك في قوله تعالى :"لاَ إِكْرَاهَ فِي ‏الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ ‏انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [البقرة :256] فالإسلام دين حق عليه دلائل يقينية كل من اطلع عليها لا ‏يملك غير التسليم بها والإذعان لها، فلا حاجة إذن إلى الإكراه عليه، قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‏‏:"أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج ‏إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه ‏علي بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها ‏مقسورا"‏ ، ولعل مجيء الآية بلفظ " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "، ولم تكن بلفظ :لا إكراه على الدين، مما ‏يوضح ذلك، ثم كان قوله تعالى :" قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" كالتعليل لما سبق. ‏

ورغم أن الحق منصور من داخله بأدلته وبراهينه، فلا بد له من قوة خارجية، لا لكي يفرض ‏بها نفسه على الناس، وإنما يحتاج إليها لأمرين :الأول :لكي تدافع عنه ضد عدوان المعتدين وصيال ‏الصائلين الذين ختم الله تعالى على قلوبهم، وأصبح نهجهم العناد والمكابرة، والعدوان على المخالفين ‏

الثاني :جهاد الطغاة الظالمين الذين يصدون الناس بما لديهم من سلطان وقوة عن الاستجابة ‏للنداء

الحق ويصرفونهم عن اتباعه، ويجبرونهم جبرا وقسرا على البقاء على دينهم الفاسد وعدم الإقبال ‏على

الدين الحق، ولأجل تلك الحقيقة شرع الله تعالى الجهاد.‏

‏ لقد كانت مكة عند بداية الدعوة إلى الله تعالى دار كفر وكان الغالب على أهلها الكفر بالله ‏تعالى، واستمر ذلك زمنا طويلا، لذلك لم يكن هناك من فائدة لإعداد العدة والقوة الحربية لأنها في ‏ظل موازين القوى غير المتكافئة لن تستخدم، ويكون استخدامها في ذلك الوقت المبكر من عمر ‏الدعوة مدعاة للقول بأن الإسلام جاء من أجل قتال الناس، ولو قدر له الانتصار لقالوا إنما انتشر بقوة ‏السيف ودخله الناس مكرهين ولم يدخلوا مؤمنين.‏

‏ ثم إن ذلك قد يؤدي إلى أمر خطير لو قدر لها أن تنهزم وهو استئصال الدعوة في مهدها ‏ومنعها من النمو، كما أن شرع الجهاد في ذلك الوقت المبكر لن يساعد على تربية المسلمين الذين ‏استجابوا لله والرسول ولدعوة الحق.‏

‏ ومع أن الإعداد الحربي في ذلك الوقت غير ممكن وغير مراد، لكن كان يجري هناك إعداد أهم ‏بكثير

من الإعداد الحربي، بل لا يقوم الإعداد الحربي إلا عليه، فكان هناك إعداد أكثر أهمية يجري ‏على أرض الواقع على بصيرة وجد واجتهاد مع الروية وعدم العجلة، وهو بناء المسلم من داخله ‏‏:عقيدته وتصوراته وعبادته.‏

وما إن انتقل المسلمون من دار الدعوة (مكة المكرمة) إلى دار الدولة (المدينة المنورة) حتى ‏بدأت مرحلة جديدة من الإعداد وهو الإعداد الحربي، وجاء الأمر بذلك من الله تعالى رب الخلق ‏جميعهم فقال :"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ‏وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ ‏تُظْلَمُونَ" [الأنفال :60]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى :"أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب ‏الطاقة والإمكان والاستطاعة، فقال :وأعدوا لهم ما استطعتم، أي مهما أمكنكم من قوة ومن رباط ‏الخيل"‏ ، وقال الطبري في بيان أنواع القوة بعدما تحدث عن الرمي :"ومن القوة أيضا السيف والرمح ‏والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية ‏منهم"‏ ، وقال الطيب بن عاشور:" والإعداد التهيئة والإحضار ودخل في ( ما استطعتم ) كل ما ‏يدخل تحت قدرة الناس اتخاذه من العدة، والخطاب لجماعة المسلمين وولاة الأمر منهم، لأن ما يراد ‏من الجماعة إنما يقوم بتنفيذه ولاة الأمور الذين هم وكلاء الأمة على مصالحها، والقوة كمال ‏صلاحية الأعضاء لعملها...فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور ‏الماضية، واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا، وبهذا الاعتبار ‏يفسر ما روى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر أن رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  قرأ هذه الآية على المنبر ثم قال :" ‏ألا إن القوة الرمي" قالها ثلاثا، أي أكمل أفراد القوة آلة الرمي أي في ذلك العصر، وليس المراد حصر ‏القوة في آلة الرمي"‏

فقد صار بالإمكان الآن-بعد تحيز المسلمين إلى دار تأويهم- استعمال العدة الحربية والاستفادة ‏منها، وأصبح وجودها والتدرب عليها في هذه الحالة ضرورة لا بد منها حيث تحقق أهداف ‏المسلمين، بعكس الحالة الأولى التي كان من الممكن أن تشكل عبئا عليهم، وقد أطلقت الآية في بيان ‏القوة التي ينبغي إعدادها من غير تقييد حتى يسمح إطلاقها بقبول ما يجد من آلات القوة مع تغير ‏الأزمنة، وهذا الأمر يفرض على جماعة المسلمين الجد والاجتهاد والمثابرة في تحصيل القوة الممكنة في ‏عصرهم التي من شأنها أن تردع الكفار المحاربين أعداء الله تعالى ورسله والمؤمنين.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.