أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والعشرون بعد المائة في موضــــوع القوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي الأمين :
هذه الندرة في الثنائية (القوة، والأمانة) جعلت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يردد مرارًا (اللهم أشكو إليك قوة الخائن وضعف الأمين) وتمنى في يوم من الأيام أن يكون ملء مجلسه رجال من أمثال سعيد بن عامر الجمحي، ومن الطريف أن نعلم أن سعيدًا - رضي الله عنه - ولي لعمر حمص (الكويفة) تشبيهًا لها بالكوفة، لكثرة شكوى أهلها على ولاتهم وعمالهم، ولقد شكا أهل الكوفة سعدًا (القوي الأمين) فعزله عمر حسمًا للفتنة والشر وقال: (إني لم أعزله لعجز أو خيانة). ومن الطرائف أيضًا ما ذكره صاحب العقد الفريد، أن عمر - رضي الله عنه - لما قدم عليه رجال من أهل الكوفة يشكون سعدًا قال: (من يعذرني من أهل الكوفة، إن وليت عليهم التقي ضعفوه، وإن وليت عليهم القوي فجروه ؟
وفي هذا الصدد ذكر ابن خلدون في مقدمته مذاهب الناس في استخدام الأكفاء غير الثقات، وتقديمهم على الثقات غير الأكفاء، واختار هو استخدام غير الثقات إذا كانو مؤهلين، لأن بالإمكان وضع بعض التدابير التي تحد من تجاوزاتهم، أما إذا كان لا يحس شيئًا فماذا تعمل به. إن انخزام هذه الثنائية في واقع الناس اليوم جعلهم يفشلون في كثير من مشاريعهم الخاصة والعامة، فإن كثيرًا من المشاريع التي تولاها أمناء ليسوا أكفاء باءت بالفشل، فلم يشفع لها أمانة القائمين، والمشكلة تكمن بعد ذلك في أن يُنسب الفشل إلى القدر تحت دعوى (الابتلاء)، فأصبح من الضروري اليوم أن يميز العاملون بين الإخفاق والابتلاء، حتى لا تتكرر التجارب وتتوالى الإخفاقات، وليس للصابرين آنذاك ثواب المبتلين، وكذلك فإن المشاريع التي يتولاها أكفاء ليسوا بأمناء، تتبدد مكاسبها، وتنحرف أهدافها، وتخترق من داخلها... إن من ملامح القوة اليوم (التخصص)، فلم يعد مصطلح (العلامة الموسوعي) له وجوده في عصر التخصصات الدقيقة التي انتهت إليها أمهات العلوم والفنون والمعارف، وبالتالي إذا كان التخصص ضروريًا، فاحترام آراء المتخصصين هو ثمرته الفعلية، وإلا لا معنى للتخصص إذا لم يؤخذ بآراء المتخصصين.
إن من أكبر المشكلات التي نعانيها اليوم أن يتجاوز العالم حدود عمله ومقدرته، ويدّعي علم ما لم يعلم، ويقتحم الميادين من ليس أهلاً لها، ويجتهد من ليس مؤهلاً للاجتهاد، بدعوى (تحصيل الأجر الواحد للمخطئ)، ونسي هذا أو تجاهل أن الأجر حال الخطأ، والأجرين حال الإصابة، تترتب على مقدمة أخرى وهي كون الاجتهاد صادرًا من أهله في محله.
وكذلك فإن من عناصر القوة في التخطيط المعلومة الصحيحة الدقيقة، التي تمكن من التصور الصحيح، الذي هو أساس التخطيط السليم، ولا يخفى على المهتمين عناية المؤسسات المتقدمة علميًا وبحثيًا، بتأمين روافد مستمرة للمعلومات، من إحصاءات واستطلاعات وأبحاث ودراسات، ولقد ساعدت التقنيات الحديثة بالتزود والاطلاع بشكل أفضل من ذي قبل على المعلومة.
إن التضليل الذي يحصل بسبب نقص المعلومات أو ضآلتها أو تقادمها، يجعل التخطيط متخلفًا عن الواقع وبعيدًا عن متطلبات العصر، ولقد حضرت مرة في حقبة السبعينيات بإحدى القرى واعظًا يقرأ من كتاب مواعظ، ألف أواخر الدولة العثمانية، بأسلوب السجع الذي كان سائدًا، وما فات الخطيب في آخر موعظته أن يدعو للسلطان الغازي عبد الحميد الثاني بطول العمر وبالبطانة الصالحة!
إن هذه الثنائية المنشودة هي الضمان الوحيد للبشرية اليوم، وصمام الأمان لها ـ بعد أن تضخمت القوة كثيرًا وضعفت الأمانة والقيم ـ من أن تنفلت القوة من عقالها دون ضابط أو كابح، فمع غياب القيم الأخلاقية وانكماشها، واضطراب الأطر المرجعية لها، فتارة المصلحة وتارة العنصرية... إلخ، يُخشى من أولئك الذين يملكون أسرار القوة وآلياتها، أن يجعلوا العالم على (كف عفريت) كما يقولون، لأن هذا المارد ـ القوة ـ إذا خرج من قمقمه دون ضابط القيم (الأمانة)حطم ودمر، وطغى وظلم، ونحن نرى اليوم صورًا متعددة لهذا الانفلات، لقد سخرت القوة لتدمير الشعوب، واستغلال ثرواتها، وتركيع الأمم، وطمس حضاراتها، وإذابة هوياتها وخصوصياتها... إلخ.
إن الأمانة قيد القوة وضابطها ومرشدها، لنتصور مملكة سليمان مثلاً، وهي من أعظم الممالك قوة
وتسخيرًا، فقد عرض أحد جنودها أن يأتي بعرش بلقيس من آلاف الأكيال ببرهة من الزمن، لا تتجاوز جلسة سمر قصيرة، فقال {أّنّا آتٌيكّ بٌهٌ قّبًلّ أّن تّقٍ,ومّ مٌن مَّقّامٌكّ وإنٌَي عّلّيًهٌ لّقّوٌيَ أّمٌينِ}،
ثم انطلق الذي عنده علم من الكتاب فجاء به بطرفة عين!
لنتصور هذه القدرات التي سخرت لسليمان، إذا لم يكن لها ضابط من دين أو قيم، فما الذي بإمكانها أن تفعله؟ لقد قابل سليمان هذا التسخير العظيم بقوله {رّبِ أّوًزٌعًنٌي أّنً أّشًكٍرّ نٌعًمّتّكّ الَّتٌي أّنًعّمًتّ عّلّيَّ وّعّلّى والٌدّيَّ وأّنً أّعًمّلّ صّالٌحا تّرًضّاهٍ,}.
وفي الختام إذا أدركنا أهمية هذه الثنائية، فعلى المؤسسات التعليمية والمهنية والبحثية على اختلافها أن تقوم بدورها في تدعيم عناصر القوة في الأمة، وبالمقابل على المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية بكل أنشطتها أن ترفع من سوية الأمانة والإحساس بالمسؤولية، وهذا يأخذنا بدوره إلى حقيقة مهمة تقول: إن هذه المؤسسات يجب أن تتكامل في أدوارها، لا أن تتعارض وتتنازغ.
[الأنترنت – موقع مداد - القوي الأمين - محمد معاذ مصطفى الخن ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.