أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثالثة عشرة بعد المائة في موضــــوع القوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ثانيًا: التأمل في آيات الله الكونية:

فالتأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته العظيمة من سماء وأرض، وليل ونهار، وجبال وأشجار وبحار وأنهار وغير ذلك مما لا يحصى. مما خلق البارئ عز وجل وأودع في هذا الكون الفسيح، فإن من تأملها وأمعن النظر وأجال الفكر فيها، يعود عليه ذلك بالنفع وتقوية الإيمان وتثبيته؛ لأن التفكر الذي حقيقته النظر والاعتبار يكون به الإدراك الواعي لوحدانية الله وعظيم ملكه وكمال قدرته، يُفجر في قلب العبد ينابيع الإيمان وتعظيم الله وإجلاله، وينبهه إلى كثرة نعمه وآلائه.

وكذلك فإن من وراء التفكر الواعي بأحوال الناس والنفس والدنيا وسرعة زوالها وانقضائها، وفي الصفات المهلكة والصفات المنجية، يكون الاعتزاز بالله وحده والذل لوجهه سبحانه والترفع عن الهوان لغيره. وإحياء الجوانب الفاضلة والحسنة في القلب وإزهاق النوازع الخبيثة والرديئة، ويقوي الرغبة فيما عند الله والدار الآخرة.

وكان سفيان بن عيينة يقول: «إذا المرء كانت له فكرة، ففي كل شيء له عبرة». ومما يُربي في النفس

فضيلة التفكر، دعوة القرآن إلى النظر في آيات الله ومفعولاته التي هي مخلوقاته ، وآثار صنعه والتي هي أعظم دليل على وحدانيته وتفرده، قال الله تعالى في سورة الحشر: }فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ{ [الحشر: 2].

وربط بين التفكر والعبرة وبين مواطنها المتعلقة بما خلق الله وأبدع في كونه من أشياء داعية إلى توحيده وخشيته ، فيقول في سورة النحل: }وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ{ [النحل: 66].

ويقول في سورة النور: }يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ{ [النور: 44].

وكما قال الشاعر:  وفي كل شيء له آية ***** تدل على أنه الواحد

وكأن التفكر لصاحبه رائد يهديه إلى طريق ربه ، ويحول بينه وبين الانصراف عنه، وإذا كان التفكر بهذه المنزلة، وثمرته بتلك المكانة فالمصيبة كبيرة حين يُحرم الإنسان ذلك الجانب من العبادة، فالذي يمر على الآية العظيمة والخلق الباهر والعبرة الموقظة دون أن يدركها أو يتأثر بها أو يعتبر عندها، دال على تجمد تفكيره وإدراكه وتبلد شعوره وإحساسه، ويكون بمنزلة من فقد العقل أو البصر أو كما وصفهم الرب عز وجل }أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ{، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.

قال جل وعلا: }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ{ [الأعراف: 146].

وقد ذكر الحسن أن معنى (الصرف) هنا هو أن الله جل جلاله يمنع هؤلاء الأشقياء من التفكر في أمر الله عز وجل.

وقد يسأل سائل عن طريق التفكر وكيف الوسيلة إلى تحقيقه؟ وجواب ذلك أن التفكر هو عمل قلبي تأتي الجوارح تبعًا له، وعبادة تحتاج إلى نية وبذل وجهد وقصد، ثم إنه يأتي بحمل النفس على ذلك والمحاولة وتكرار ذلك، لأن التكرار يورث التعود، ويعاون على التفكر الصمت والسكون والخلوة بالنفس حتى يسبح الفكر في آفاق التذكر والتدبر بلا شواغل ولا قواطع، كانتهاز فرصة الذهاب إلى رحلات البر أو البحر أو الصعود إلى سطح المنزل، والتفكر في بديع صنع السماء. وكذا يفتش في عجيب صنع نفسه وتغير مراحله وأحواله، وقد سُئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ فرد بجواب المتفكر: بنقض العزائم وصرف الهمم. وهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوجه الانتباه إلى التفكر والاعتبار بأحوال الخلق وضعفهم ونهايتهم وحقارة الدنيا وسرعة انقضائها فيقول: «أو لستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى، فميت يُبكي، وآخر يُعزَّى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يمضي الباقي».

ولكن ليس كل صمت يؤدي إلى فضيلة التفكر، فقد يصمت الإنسان في غفلة وبلادة وشرود، لذلك قال الحسن: «من لم يكن سكوته تفكرًا فهو سهو».

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.