أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية عشرة بعد المائة في موضــــوع القوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المائة في
موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وجوه زيادة الإيمان من جهة العلم
3- دراسة سنة النبي ﷺ والتأمل في سيرته:
من أسباب زيادة الإيمان النظر في سيرة النبي ﷺ وهديه والتأمل فيما ذكر من أفعاله ونعوته الطيبة وشمائله الحميدة، إذ هو المبعوث بالدين القويم رحمة للعالمين وإمامًا للمتقين وقدوة للمؤمنين، ومن درس السيرة وتأمل في نعوت وصفات النبي ﷺ التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة وكتب السير، فقد استكثر لنفسه من الخير وانتفع به غاية الانتفاع، إذ إن هذا من أعظم ما يقوي محبته ﷺ في قلب المسلم، وزيادة المحبة له ﷺ تورث المتابعة والعمل الصالح اللذين يزيدان في إيمان العبد، فكان هذا من أعظم أبواب وسبل الهداية.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله، أن للهداية أسبابًا متعددة، وطرقًا متنوعة، وهذا من لطف الله بعباده، لتفاوت عقولهم ومداركهم وميولهم وطباعهم، وذكر
من هذه الأسباب تأمل حال وأوصاف النبي ﷺ، وأن هذا سبب لهداية بعض الناس فقال رحمه
الله: «... ومنهم من يهتدي بمعرفته بحاله ﷺ وما فُطر عليه من كمال الأخلاق والأوصاف والأفعال، وأن عادة الله أن لا يخزي من قامت به تلك الأوصاف والأفعال، لعلمه بالله ومعرفته به، وأنه لا يُخزي من كان بهذه المثابة، كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها له ﷺ: «أبشر لن يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: «فمعرفته ﷺ توجب للعبد المبادرة للإيمان ممن لم يؤمن، وزيادة الإيمان ممن آمن به».
إلى أن قال: «ولهذا كان الرجل المنصف الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق، مجرد ما يراه ويسمع كلامه يبادر إلى الإيمان به ﷺ ولا يرتاب في رسالته، بل كثير منهم مجرد ما يرى وجهه الكريم يعرف أنه ليس بوجه كذاب».
ويكفي أن الرب عز وجل أقسم على كمال هذا الرسول وعظمة أخلاقه وأنه أكمل مخلوق بقوله: }ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ [القلم: 1-4].
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان ﷺ أجود الناس، وأجمل الناس، وأشجع الناس»[ البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة بالحرب والجبن.] وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «أن رسول الله ﷺ لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، وأنه كان يقول: «خياركم أحسنكم أخلاقًا»[ البخاري: كتاب المناقب، صفة النبي ﷺ.] النفس أثره.
4- قراءة سيرة سلف هذه الأمة:
فإن سلف هذه الأمة أصحاب النبي ﷺ وتابعيهم بإحسان أهل الصدر الأول من الإسلام هم خير
القرون، أهل المشاهد والمواقف العظام، وهم حملة هذا الدين ونقلته لمن جاء بعدهم من العالمين، أقوى الناس إيمانًا وأرسخهم علمًا، يخص منهم أصحاب النبي ﷺ الذين خصهم الله برؤيته وأكرمهم بسماع صوته، فأخذوا الدين منه غضًا طريًا، فاستحكمت به قلوبهم، واطمأنت به نفوسهم وثبتوا عليه ثبوت الجبال.
ويكفي في بيان فضلهم أن الله خاطبهم بقوله: }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ{ [آل عمران: 110]، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم»[ البخاري]
من تأمل حال أولئك الأخيار وقرأ سيرهم، وعرف محاسنهم، وما كانوا عليه من خلق عظيم، وتعاهد للإيمان، وإقبال على الطاعة، وتنافس في فعل الخير، وشدة تعبدهم لله، وإعراضهم عن الدنيا الفانية، وإقبالهم على الآخرة الباقية، فإن المتأمل سيقف من خلال ذلك على قصور نفسه وضعف همته وعلى قلة زاده، وسيكون ذلك شاحذًا لهمته مقويًا لعزيمته داعيًا إلى صدق التأسي بهم. ولو لم يحصل من ذلك كله إلا حصول محبتهم في القلب ورغبة التحلي بصفاتهم لكفى، لأنه كما جاء في الحديث: «المرء يحشر مع من أحب»[ البخاري: كتاب الأدب، باب علامة حب الله عز وجل، مسلم: كتب البر والصلة، باب المرء مع من أحب..]
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ومن كان بهم أشبه ذلك فيه أكمل» و«من تشبه بقوم فهو منهم»[ سنن أبي داود: كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة.] وموضع التأمل والبحث في سير وأخبار هؤلاء الأخيار يكون في: كتب التاريخ والسير، والزهد، والرقائق، والورع وغيرها.
ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.