أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة السابعة والستــون في موضــــوع القـــــوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مضاعفات القوة :
5- الصبر على ما تم اعتياده :
قال ابن القيِّم :
" فإن للعادة طبيعة خاصة ، فاذا انضافت الشهوة إلى العادة تظاهر جندان من جند الشيطان ، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما " .
ويكون للصبر هنا أعظم الدور في علاج الإدمان بكل أنواعه : إدمان سماع الغناء أو إدمان مشاهدة المواقع الإباحية أو أكل الرشوة أو ترك الصلاة أو الوقوع في أعراض الخلق ، فإن كل هذه سيئات من اعتادها مع مرور الأيام صعب عليه التحوُّل عنها ، ومن فارقها وصبر على مفارقتها بعد أن اعتادها كان له عند الله الجزاء الأوفى على ما لقيه من عناء وقاساه من بلاء.
ويضرب ابن القيِّم مثلا حيا لذلك حين يتناول معاصي الفرج واللسان بقوله :
" الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما ، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذلك ، فتتفق قوة الداعي وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ، ولا سيما اذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد ، فإنه يعِزُّ عليه الصبر عنها ، ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورَّع عن استناده إلى وسادة حرير لحظة
واحدة ، ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والتفكُّه في أعراض الخلق " .
6- أشق الصبر :
قال ابن القيم :" مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد ، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر ، وإن فُقِدا معا سهل الصبر عنه ، وإن وُجِد أحدهما وفُقِد الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه ، فمن لا داعي له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهل عليه فصبره عنه من أيسر شيء عليه وأسهله ، ومن اشتد داعيه إلى ذلك وسهل عليه فعله فصبره عنه أشق شيء عليه ، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم ، وصبر الشباب عن الفاحشة ، وصبر الغنى عن تناول اللذات والشهوات عند الله بمكان " .
فمن أشق الصبر الذي يحتسب به العبد أعظم الأجر : رجل فقير في شدة الاحتياج إلى المال تُعرض
عليه الرشوة فيأبى ، وشاب في عنفوان الشباب يعيش في الغربة وتُعرض عليه الفاحشة فيأبى ، وامرأة
كثيرة الكلام دخلت في خصومة مع جارة لها ثم جلست مع من يقع في جارتها فتصون لسانها وتأبى.
7- الصبر عند مواسم الجزر :
الشيطان يتحيَّن لحظات الفتور عند العبد ، ولن يجرؤ على مواجهة جيش قلبك عند اشتداد هجمة الإيمان عليه ، بل يتربص حتى تحين استراحة مقاتل ، وعند إخلادك إلى الراحة يبدأ الانقضاض عليك ، ومن صبر عند مواسم الفتور ونوبات ضعف الإيمان عن شهوة محرَّمة ، أو عن ذنب خلوة ، أو عن صحبة سوء ، أو عن لقمة شهوة كان أجر صبره هو الأعلى وإيمانه الأقوى ، وكان في ذلك دلالة على قوة قلبه ولو في لحظات ضعفه ، ومجاهدته لنفسه حتى عند أوقات فتوره.
8- قوة الصبر الثلاثية :
من الناس من يشقُّ عليه الصبر على الطاعة ، وبعضهم بالعكس تسهل الطاعة عليه ، لكن ترك المعصية عليه شاق ، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية ، لكنه ضعيف الصبر عند المصائب فيجزع ، وأعظم الصابرين من عرف الأنواع الثلاثة : ذاق الطاعة فواظب عليها ، وذاق المعصية فعافها ، ونزل به البلاء فاستقبله استقبال الأبطال.
9- الصبر على ما بعد الصبر :
قد يصبر الإنسان على العمل الصالح حتى يؤديه ، لكنه يُعجب بعمله ويُتبِعه بالمنِّ فيكون هذا أضر عليه من كثير من المعاصي ، فمن الصبر عدم إبداء
الصبر كما أن من الإخلاص إخفاء الإخلاص ، فمن صبر عن الحرام وجعل ذلك سرا بينه وبين ربه لم يُفشه أوتي أجره مرتين : ثواب الصبر وثواب الإخلاص ، وقد حقق هذين الأجرين كثير من الصالحين ولا يزالون ، فعن أبي عبدة العبدري :
" لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الغنائم أقبل رجلٌ بحُقٍّ معه ، فدفعه إلى صاحب الأقباض (بيت المال) ، فقال الذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه ، فقالوا له : هل أخذت منه شيئا؟! فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به ، فعرفوا أن للرجل شأنا ، فقالوا : من أنت؟! فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليُقرِّظوني ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه ، فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس " .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب -قوة التحمل]
ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.