أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الخامسة والأربعـون في موضــــوع القـــــوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حال أولو العزم من الرسل :

وتأمل في حال أولو العزم من الرسل، لماذا سموا بأولي العزم؟

هؤلاء الخمسة المقدمون عند الله -عز وجل-، كانت لهم إرادات تنفيذية على مستوى رفيع، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ  [الأحقاف: 35]. ولذلك نحن نعزم ونتوكل على الله وننفذ، ولا نكن كالعاجز الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني.

والإنسان المتعرض للشهوات ينبغي عليه أن يتدبر قول الله -عز وجل-: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 37 - 41] فقوة الإرادة عند الشهوة أن تحضر قلبك وتحضر علمك وعزيمتك للوقوف أمام الشهوة: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23].

 ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين [رواه البخاري: 1423].

فهذا الرجل الذي قال: إني أخاف الله رب العالمين أمام هذا الإغراء ذات منصب وجمال، منصب ترغمه ربما وتسجنه وتذيقه الأذى إذا ما استجاب، وجمال مغرٍ، فاجتمعت المسألة من جوانبها ترغيب وترهيب، وهو يقول: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صاحب إرادة قوية.

ومن عوامل تقوية الإرادة -أيها الإخوة-: المبادرة بالأعمال قبل الأعراض؛ كما قال النبيﷺ: بادروا بالأعمال [رواه مسلم: 118].قد يأتيك فقر ينسي، قد يأتيك غنى يطغي، قد يأتيك مرض يقعد، قد يأتيك الموت، بادر بالأعمال الآن اشرع بها قبل فوات الأوان، قبل أن تجتمع عليك الحوادث، أو يأتي ما لا تظن وما لا تفكر فيه.

وكذلك من عوامل تقوية الإرادة: أن يحافظ الإنسان على العمل وإن قل، فتشرع فيه ثم تحافظ عليه، تشرع فيه ثم تشرع في الأعمال، ثم تحافظ عليها وإن قلت، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل [رواه البخاري: 6464، ومسلم: 783].

وكذلك إذا فرغت من عمل فابدأ في عمل آخر وراءه مباشرة، هذا من الأمور المهمة في متابعة قوة الإرادة، والدليل على ذلك قول الله -عز وجل-: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  [الشرح: 7 - 8] إذا فرغت من الصلاة فانصب للذكر بعدها، فليس إذا انتهى الإنسان من عمل يذهب ويلعب، إذا انتهى من الصلاة يذهب ويطلق هوى النفس، يقول: الحمد لله نصلي صلينا، الصلوات صليناها، أدينا الفروض، ممكن نذهب نتفرج على الأفلام ومسلسلات ونلعب الورق يعني فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ  غير موجود عند هؤلاء، ولذلك تكون إراداتهم ضعيفة.

وصحيح أنه يحافظ على بعض الأعمال الدينية كالصلاة مثلاً، أو الزكاة أو الصيام لكن في بقية أعمال

الخير كسول متردد مسوف.

وكذلك من الأمور التي تؤثر في الإرادة: التفاؤل وعدم التشاؤم، فإن بعض الناس الذين عندهم نفسيات متشائمة ليست عندهم إرادات قوية؛ لأنه بمجرد ما يرى شيئاً يجلب لنفسه التشاؤم يترك العمل، تنتهي الإرادة، تفتر تنتهي تتلاشى.

والنبي ﷺ كان يحب التفاؤل، كان يتفاءل ويحب التفاؤل، وقال: الطيرة شرك [رواه أبو داود: 3910، وابن ماجه: 3538، وأحمد: 3687، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3098] لا يجوز التشاؤم، والتشاؤم يبطئ الهمة، ويشتت القلب، ويميت روح الإقدام.

وعلى المسلم أن يتحامل على نفسه رغم الصعاب، هذا من الأشياء التي تقوي الإرادة، كما قال الله -عز وجل-: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ [النساء: 104].

في غزوة أحد أراد النبي ﷺ أن يلحق بالمشركين وفي المسلمين جراحات، وتعب شديد من المعركة:

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  مثلكم، لكن الفرق أنكم  وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ  وهذا فرق أساسي ومهم جداً  وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  تحملوا تجلدوا تصبروا  إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ  فهم يألمون أيضاً لكنكم أنتم يا أيها المؤمنون ترجون من الله ما لا يرجون وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا  [النساء: 104].

ثم على المسلم أن يتلقى الأحداث بالصبر وعدم الجزع عند المصيبة، أو الحزن على ما فات، وهذا ولا شك نابع من الإيمان بالقضاء والقدر، والله -سبحانه- قال: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد: 22] من قبل أن نخلقها ونوجدها في الواقع هي مكتوبة في كتاب  إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  [الحديد: 22]. فائدة الإيمان بهذا المفهوم ذكرها الله -تعالى- فقال: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.