أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة التاسعة والثمانون بعد المائتين في موضوع الأول والآخر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة التاسعة والثمانون بعد المائتين في موضوع (الأول والآخر) وهي بعنوان : *اسما الله ( الأول والآخر )  يُؤسسان لعُمق عقيدة المسلم :

قال ابن القيم رحمه الله: "فأوليَّة الله عز وجل سابقة على أوليَّةِ كل ما سواه، وآخريَّتُه ثابتةٌ بعد آخرِيَّة كل ما سواه، فأوليَّتُه سَبْقُه لكل شيء، وآخريَّتُه بقاؤه بعد كل شيء".

العبد فانٍ هالك مهما جَمَع مِن جاه الدنيا، وجنى مِن سلطانها، وتربَّع على كنوزها، وعلا مِن مراتبها؛ فقد خلقه الله مِن تراب، ثم هو صائر لا محالة إلى التراب.

لِمَنْ نبني ونحن إلى تراب   ***  نصِيرُ كما خُلِقْنا من ترابِ

ألا وأراكَ تَبذُلُ يا زماني   ***  ليَ الدُّنيا وتُسرِعُ باستلابي

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ جعل الهُمومَ هَمًّا واحدًا: هَمَّ الْمَعادِ (أي: الرجوع إلى

الله الآخِر)، كفاهُ الله هَمَّ دُنْياه، ومن تشعَّبتْ به الهُمومُ في أحوال الدنيا،

لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أوْدِيتِها هَلَكَ))؛ صحيح سنن ابن ماجه.

والله عز وجل باقٍ؛ لأنه لا أوَّل له، ولا آخِر له، يُحيط بالزمن، ولا يحيط به زمن، ويستولي على المكان، ولا يستولي عليه مكان؛ قال ابن القيم رحمه الله: " فإحاطة أوليَّته وآخريَّته بالقَبْل والبَعْد، فكلُّ سابقٍ انتهى إلى أوليَّته، وكلُّ آخرٍ انتهى إلى آخريَّته، فأحاطت أوليَّتُه وآخريَّتُه بالأوائل والأواخر".

فَرَبٌّ بهذين الاسمين العظيمين المحيطين، يستحق أن يكونَ هو المعبود

وحده، والمتوكَّل عليه وحدَهُ، والمسؤول وحده؛ ولذلك لما جاء أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جئناكَ لِنتفقَّهَ في الدين، ولِنسألكَ عن أوَّل هذا الأمر ما كان، أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بفقه اسم الله "الأول"، فقال لهم: ((كان الله ولَمْ يكُنْ شيءٌ قبله (وفي رواية: ولم يكنْ شيءٌ معه)، وكان عرْشُه على الماء، ثمَّ خلق السماوات والأرض، وكتب في الذِّكْر كلَّ شيءٍ))؛ البخاري.

فالله عز وجل هو الأول والآخِر في العظمة والكبرياء، فلا أحد أعظم

منه، فاستحق أن يُهاب جانبه، وألا يؤمن عقابه، وهو الأول والآخِر في

الجلال والجمال، فلا شيء أجل منه، ولا شيء أجمل منه.

وهو الأول والآخِر برحمته، فلا أحد يملك الرحمة إلا بإذنه؛ قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((جعل الله الرحمة مائةَ جُزْءٍ، فأمسكَ عنده تسعةً وتسعينَ جُزْءًا، وأنزل في الأرض جُزْءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحَمُ الخَلْقُ، حتى تَرْفعَ الفَرسُ حافِرها عن ولَدِها خشيةَ أَنْ تُصِيبَهُ))؛ متفق عليه.

وهو الأول والآخر بإحسانه، فلا أحد أكرم ولا أكثر عطاءً منه؛ بل كَرَمُ المخلوقين مِن كرمه، وعطاؤهم من عطائه.

فإذا كان ربنا كذلك، فلنجعله مُرادنا وغايتنا، ولْنُرْضِه بأقوالنا وأفعالنا، ولنتقرَّب إليه بحسن عبادته، وجميل التزلُّف إليه؛ ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 62].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته