أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة في موضوع الأول والآخر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة في موضوع (الأول والآخر) وهي

بعنوان:*أول ليلة في القبر (أهوال القبر )

عن شعيب بن أبي حمزة قال:

"كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض مدائن الشام: أما بعد.. فكم للتراب في جسد ابن آدم من مأكل! وكم للدود في جوفه من

طريق مخترق! وإني أُحَذِّركم ونفسي - أيها الناس - العرضَ على الله عز وجل".

وكان بعضهم يَذكر حاله عند دخول القبر فيقول:

ضَعُوا خَدِّي عَلَى لَحْدِي ضَعُوهُ  *** وَمِنْ عَفرِ التُّرَابِ فَوَسِّدُوهُ

وَفُكُّوا عَنِّي أَكْفَانًا رِقَاقًا ***  وَفِي الرِّمْسِ البَعِيدِ فَغَيِّبُوهُ

فَلَوْ أَبْصَرْتُمُوهُ إِذَا تَقَضَّتْ  *** صَبِيحَةُ ثَالِثٍ لَتَرَكْتُمُوهُ

 وَنَادَاهُ العَلِيُّ ذَا فُلاَنٌ  *** هَلُمُّوا فَانْظُرُوا هَلْ تَعْرِفُوهُ

حَبِيبُكُمُ وَجَارُكُمُ المُفَدَّى  *** تَقَادَمَ عَهْدُهُ فَنَسِيتُمُوهُ

وذات يوم شيَّع عُمر بنُ عبدالعزيز - رحمه الله - جنازة، فلما انصرفوا تأخَّر هو، فقال له بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين: جنازة أنت وليُّها تأخرتَ عنها وتركتَها؟! قال: نعم، ناداني القبر من خلفي: يا عمر بن عبدالعزيز، ألا تسألني ما صنعتُ بالأحبَّة؟ قلتُ: بلى، قال: خرَّقت الأكفان، ومزَّقت الأبدانَ، ومصَصتُ الدَّمَ، وأكلتُ اللَّحم، قال: ألا تسألني ما صنعت بالأوصال؟ قلت: بلى، قال: نزعتُ الكتفين من الذراعين، والذراعين من العُضدَين، والعضدين من الكتفين، والورِكين من الفخذين، والفخذين من الركبتين، والركبتين من الساقين، والساقين من القدمين، ثم بكى، وقال: ألا إن الدنيا بقاؤها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، وشابُّها يهرم، وحيُّها يموت، فلا يغرنَّكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها؛ فالمغرور من اغتر بها.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].فيا ساكن القبر غدًا، ما الذي غرَّك من الدنيا؟!

فأين سُكَّانها الذين بنوا مدائـنها، وشقوا أنهارها، وغرسوا أشجارها، وأقاموا فيها دهورًا؟! فاغتروا بقوتهم فركبوا الذنوبا!!

سَلْهُم.. ماذا صنع التراب بأبدانهم، والهوام بأجسادهم، والديدان بعظامهم وأوصالهم؟

سَلْهُم.. عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون؟ وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون؟

سَلْهُم.. عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان؟

محت الألوان، وأكلت اللحمان، وعفَّرت الوجوه، وغيَّرت المحاسن، وكسرت الفقار، وأبانت الأعضاء، ومزَّقت الأشلاء!!

فأين حجَّابُهم..؟! وأين خَدمهم وعبيدهم..؟! أين دارهم الفيحاء..؟! أين رقاق ثيابهم..؟!

أين طيبهم..؟! أين بخورهم..؟! أين كسوتهم لصيفهم وشتائهم..؟!

فمنهم - واللهِ - المُوسَّع له في قبره، المُنعَّم فيه، ومنهم - واللهِ - المُضيَّق عليه في قبره، المُعذَّب فيه.

فيا للقبور.. ظاهرها تراب وبواطنها حسرات، ظاهرها بالتراب والحجارة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

تالله لقد وَعظَتْ فما تركت لواعظٍ مقالاً، ونادت: يا عُمَّار الدنيا، لقد عَمَّرتُم دارًا مُوشِكةً بكم زوالاً، وخرَّبتم دارًا أنتم مسرعون إليها انتقالاً.

عَمَّرتُم بيوتًا لغيركم منافعها وسُكْنَاها، وخَرَّبْتُم بيوتًا ليس لكم مساكنُ سواها.

يا للقبور... إنها دار الاستباق، ومستودع الأعمال، وجني الحصاد.

إنها محل للعِبَر، رياض من رياض الجَنَّة، أو حفرة من حفر النار؛ (الروح لابن القيم).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته