أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع الأول والآخر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

* التوحيد أولا (لو كانوا يعلمون) خطبة جمعة :

ومن هنا يظهر الفرق شاسعًا بين الموحِّد وبين المشرك، فالموحِّد عَرَفَ خالقه فعبده حقَّ عبادته، والمشرك مكفوف البصيرة، تائهٌ عن وليِّ نعمته، نعوذ بالله من الضَّلال بعد الهدى.

التَّوْحيد في القديم وفي الحديث أوَّلَه النَّاس بتعدُّد الآلهة وهي المعبودات وتعدُّد الآلهة خرافةٌ هزيلةٌ لفظها الإسلام بقوَّة، ونبذها نبذ المسافر فضلةَ الأَكْل، وتتبَّع أوهام النَّاس فيها وَهْمًا وَهْمًا، فكشف الظُّلمة ودحض الشبهة، ولا عجب؛ فالتَّوْحيد الخالص شعار الإسلام الأوَّل في ميدان الاعتقاد والعمل، به عُرِفَ، ومن أجله حُورِبَ، وعليه دار جدلٌ طويلٌ بين أهل الحقِّ وأهل الباطل: ﴿ إِنَّ إلهكُمْ لَوَاحِدٌ * رَّبُّ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصافات: 4 - 5]، ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].

إنَّ التَّوْحيد الخالص هو أفضل طلبة، وأعظم رغبة، وأشرف نِسبة، وأسمى رُتبة، هو وسيلة كلِّ نجاحٍ، وشفيع كلِّ فلاحٍ، يُصيِّر الحقير شريفًا، والوضيع غِطْرِيفًا، يطوِّل القصير، ويقدِّم الأخير، ويعلِّي النَّازل، ويُشْهِر الخامل، ما شيَّد مُلْكٌ عتيدٌ إلا على دعائمه، ولا زال إلا على طواسمه، ما عزَّتْ دولةٌ إلاَّ بانتشاره، ولا زالت إلاَّ باندثاره.

وإنَّ معظم الشُّرور والنَّكبات التي أصابت أمَّة الإسلام، وأشد البلايا التي حلَّت بها - كانت بسبب ضعف التَّوْحيد في النفوس، وما تسلَّط مَنْ تسلَّط من الأعداء، وتَعَجْرَفَ مَنْ تَعَجْرَفَ، وغار مَنْ غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم، واستباح حرماتهم، وأيَّم نساءهم، ويتَّم أطفالهم - إلاَّ بسبب ضعف التَّوْحيد، وما هجم التَّتار على ديار الإسلام وفعلوا بهم ما فعلوا، إلا بفقد التَّوْحيد؛ بل لقد بلغ ضعف التَّوْحيد في النفوس مبلغًا عظيمًا إبَّان الهجوم التَّتَريِّ لبلاد الإسلام، حتى

لقد قال بعض المسلمين من الهَلَع والجزع:

يَا خَائِفِينَ مِنَ التَّتَر  ***** لُوذُوا بِقَبْرِ أَبِي عُمَرْ!

عُوذُوا بِقَبْرِ أَبِي عُمَرْ ****** يُنْجِيكُمُ مِنَ الضَّرَرْ!

﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5].

يعيش المسلمون في زمان هرمٌ خيرُه، شباب شرُّه، نائمٌ رشاده، صاحٍ فساده، قليلٌ مُنْصِفُه، كثيرٌ مُتَعَسِّفُه، أَفَلَتْ فيه شمس التَّوْحيد ونجمه، ودجا فيه ظلام الشِّرك وظُلَمُه؛ فتقدَّم متأخِّرُه، وتأخَّر متقدِّمُه، تلاعبت بأهله الأهواء، ومزَّقَت جماعتهم النِّحل والآراء، ركب كلٌّ منهم هواه وكافح، فصادموا المنقول، وخالفوا المعقول، فاخر ضُلاَّلُهم بما يبرزون من الضَّلاَل، ويبدعون من الزّيغ، وصار الشُّجاع العاقل هو المُجاهِر بالغرائب والمصائب، والأديب الملهَم هو الدَّاعي إلى البدع المضلَّة، فعَظُمَ الوَيْل، واتَّسَعَ الخَرْق، واغْتَلَمَ الدَّاء، وأَعْوَزَ الدَّواء.

هم قومٌ أزياؤهم أزياء الأُناسي، وصورهم صور العقلاء، ونفوسهم نفوس العجماوات، وأخلاقهم أخلاق الطَّيْر، يتهافتون على الغفلة، تهافُت الفَرَاش على النِّبراس، ويَأْرِزُونَ إلى النَّقيصة أُرُوزَ الدُّود إلى المَيْتَة، مع قَرْمٍ وجَعْمٍ، واحتدامٍ وضرْمٍ، بهؤلاء وأمثالهم، ولدت أمُّ الغباء، وعقمت أمُّ الذَّكاء: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته