أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع الأول والآخر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

*ثمرات معرفة معنى اسم الله الأول :

وأمَّا عبوديته -تبارك وتعالى- باسمه الآخر، فإنَّها تقتضي أيضًا عدم الركون والوثوق بالأسباب، والوقوف معها، فإنها تنعدم لا محالةَ، وتنقضي بالآخرية، والله هو الآخر الذي ليس بعده شيءٌ، فهو الباقي، وكل شيءٍ يضمحل، فالتَّعلق بها تعلُّقٌ بما ينعدم وينقضي، والتَّعلق بالآخر تعلُّقٌ بالحيِّ الذي لا يموت،ولا يزول، فالمتعلِّق به حقيقٌ ألا يزول،ولا ينقطع، بخلاف التَّعلق بغيره مما له آخر يفنى به.

ثم يذكر بعد ذلك ما يُوجبه هذان الاسمان من صحّة الاضطرار إلى الله -تبارك وتعالى- وحده، ودوام الفقر إليه دون كل شيءٍ سواه، وأنَّ الأمر ابتداءً منه، وإليه يرجع، فهو المبتدئ بالفضل حيث لا سببَ، ولا وسيلةَ، وإليه تنتهي الأسباب والوسائل، فهو أول كل شيءٍ وآخره، وكما أنَّه ربُّ كل شيءٍ وفاعله وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التي لا صلاحَ له، ولا فلاحَ، ولا كمالَ، إلا بأن يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده، فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات، والآخر الذي انتهت إليه عبوديَّاتها، وإراداتها، ومحبَّتها، فليس وراء الله شيءٌ يُقصد ويُعبد ويُتألّه، كما أنَّه ليس قبله شيءٌ يخلق ويبرأ.

يقول: فكما كان واحدًا في إيجادك، فاجعله واحدًا في تألهك إليه؛ لتصحّ عبوديتك، وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه، فاجعله نهاية حبِّك وإرادتك وتألهك إليه؛ لتصحّ لك عبوديته باسمه (الأول والآخر)، وأكثر الخلق تعبَّدوا له باسمه (الأول)، وإنما الشَّأن في التَّعبد له باسمه (الآخر)، فهذه عبوديَّة الرسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام-.

فهو الأول ليس قبله شيءٌ، إذًا لا يركن القلبُ، ولا يتعلَّق بأحدٍ، ولا بشيءٍ سواه، وهو الآخر: فلا يركن القلبُ أيضًا إلى شيءٍ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ ينقضي إلا الله -تبارك وتعالى-، وعطاؤه هو الذي يبقى، وفضله، وإحسانه، فيرجوه العبدُ ويخافه، وكذلك (الظَّاهر والباطن).

وكبير المفسّرين أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله- يقول: بأنَّ (الظَّاهر) هو الظَّاهر على كل شيءٍ دونه، وهو العالي فوق كل شيءٍ، فلا شيءَ أعلا منه.

وهذا كلام أهل السُّنة والجماعة، فكثيرٌ من الكلام الذي يذكره الشُّراح

–أعني: شرَّاح الحديث- فيه ما فيه من كلام المتكلِّمين وإشكالاتهم، ولربما لا يصحّ كثيرٌ مما يذكرون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته