أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــــة الثانية بعد الثلاثون بعد المائتـــن في موضــــوع المحصي

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثلاثون بعد المائتين في موضوع (المحصي) وهي بعنوان:صفة الإحاطة لله عز وجل :

إن صفةُ الإحاطة من صفات الله تعالى الذاتية، فهو سبحانه قد أحاط بكلِّ شيءٍ، أحاط ببواطنِ الأشياء وخفاياها، وما تَحويه الضمائرُ وتُخفيه الصدورُ، وإحاطتُه الذاتية كائنةٌ بظواهرها وبجميع ما خَلَق، وهذا قول أهل السُّنَّة والجماعة.

والإحاطة في الأصل: هي الاستيلاء على الشيء من كلِّ جهاته؛ كما قال تعالى:  {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج: 20].

وصفةُ الإحاطة بمعنى القهر والجَبروت؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وقال: {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54]؛ أي: مُستولٍ عليهم، ومحيطٌ بعلومهم، ومحيطٌ بجميع المخلوقات.

والمحيط من أسماء الله الحسنى الثابتة بالكتاب؛ قال الله تعالى: {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19]، و"المحيط: هو الذي أحاطتْ قدرتُه بجميع خلْقه، وهو الذي أحاطَ بكل شيءٍ علمًا، وأحصَى كلَّ شيءٍ عددًا".

أما كلام أبي العز شارح الطحاوية، فليس فيه نفيُ أن الإحاطة صفةٌ ذاتيةٌ لله، كما أنه لم يَقُل: إنها من صفات الأفعال المتعلِّقة بمشيئة الله وقدرته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يَفْعَلْها؛ وإنما نفَى أبو العزِّ المعنى الباطلَ للإحاطة، وهو تشبيه إحاطة الله بإحاطة الفَلَك الأعلى لِما هو أَدنى منه؛ حيث يكون مُحايثًا له، داخلًا فيه، وأثبَت المعنى الصحيح بذِكره حديثَ ابن عبَّاس، غيرَ أن كلام أبي العزِّ مختصَرٌ، وفيه بعضُ الإجمال، ولعل هذا ما سبَّب لك اللَّبسَ، وهناك أبحاثٌ كثيرة مُطوَّلة في مواضعَ كثيرةٍ مِن كُتب شيخَيِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ وابن القيِّم، وسأَنقُل لك بعضَ كلامهما المفصَّل؛ ليَظهَر لك وجهُ المسألة؛

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (6/ 567): "والله تعالى محيطٌ بالمخلوقات كلِّها إحاطةً تَليق بجلاله؛ فإن السماواتِ السبعَ والأرضَ في يده، أصغرُ من الحِمَّصة في يد أحدِنا"، وقال في "شرح حديث النزول" (ص: 190 -191) "وأيضًا، فقد ثبَت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيرُه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم أنت الأولُ فليس قبلَك شيءٌ، وأنت الآخِرُ فليس بعدَك شيءٌ، وأنت الظاهرُ فليس فوقَك شيءٌ، وأنت الباطنُ فليس دونَك شيءٌ»، وهذا نصٌّ في أن الله ليس فوقَه شيءٌ، وكونه الظاهرَ صفةٌ لازمةٌ له مثل كونِه الأوَّلَ والآخرَ، وكذلك الباطن، فلا يزال ظاهرًا ليس فوقه شيءٌ، ولا يزال باطنًا ليس دونه شيءٌ.

    إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .