أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــــــــة الثمانـــــــــون في موضـــــــــــــــــوع الـــــــــــــــــــــــــــرب
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد: فهذه الحلقة الثمانون في موضوع (الرب) وهي بعنوان: صفة مخالفته تعالى للحوادث :
ولما كان من صفات المخلوقات الدالة على حدوثها وأنها بحاجة إلى محدث: أن لها بداءة وأن لها نهاية وجب أن يكون من صفات الخالق السلبية أن لا بداءة له، وهذا معنى (القدم)وأن لانهاية له وهذا معنى (البقاء) فمن صفات التنزيه لله تعالى (القدم والبقاء) بمعنى: أنه سبحانه لا بداءة ولا نهاية. وفي الدلالة على ذلك جاء في أسماء الله الحسنى ]هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ[ فالأول: هو الذي لا شيء قبله، والآخر: هو الذي لا شيء بعده. وأمام هذه الحقيقة الثانية من حقائق الألوهية التي نثبتها في عقيدتنا الإسلامية وهي «خالفته تعالى للحديث» تتضح نقطة خلاف كبرى ثابتة بيننا وبين كثيرين من مثبتي الألوهية الضالين عن منهج الحق، وتتحدد أمامنا طريق ثانية من طرق الافتراق بيننا وبينهم.وتجمع هذه النقطة المبادئ الثلاثة التالية:
المبدأ الأول: مبدأ صمدية الله تعالى (أو صمدية الألوهية).
المبدأ الثاني: مبدأ استحالة التولد بكل معانيه بالنسبة للألوهية.
المبدأ الثالث: مبدأ انفراد الألوهية بصفات الكمال.
وفيما يلي إيضاح لهذه المبادئ الثلاثة:
أ- مبدأ صمدية الله تعالى: والصمدية تعنى معنيين اثنين:
المعنى الأول: معنى إيجابي وهو: أن الله سبحانه هو الذي يُصمد إليه أي يرجع إليه في كل أمر وذلك لأنه هو المتصف بجميع صفات الكمال، فهو القادر على كل شيء، والفعال لما يريد، والذي بيده الخلق والأمر والجزاء، وما من قوة لغيره تعالى إلا بهبة منه، إذا شاء أبقاها، ومتى شاء سلبها، لذلك فلا رجوع في أي مطلب ـ لمن تدبر وعقل ـ إلا إلى الله تعالى.
المعنى الثاني: معنى سلبي وهو: أن الله سبحانه غني عن كل شيء، لأنه متصف بالكمال التام في كل شيء. فهو الموجود الذي له الوجود الذاتي ـ الذي لم يسبقه العدم، ولا يلحقه الفناء ـ إذ الأصل بالنسبة له سبحانه هو الوجود، فهو غني عن أن يمده بالبقاء أحد، كما هو غني عن أي شيء يتصل بمطلب يعود عليه سبحانه بنفع أو فائدة أو إرضاء شهوة أو إشباع غريزة لأن الله جل وعلا منزه عن كل ذلك. وأما الذي يحتاج إلى شيء من ذلك: فهو من أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، وهو من أصله العدم، وإنما وجد بإيجاد الله له، على صورة مليئة بالغرائز الطالبة لحاجاتها، والطبائع المساقة إلى أطوارها من تأليف وبناء، إلى تفريق وهدم، كما أنه لا يمتد بقاؤه إلا بإمداد الخالق له بالبقاء عن طريق الأسباب التي هيأها له في بيئة وجوده، وعلى وفق حكمته تعالى التي ينظم بها مخلوقاته. وهذان المعنيان لمفهوم صمدية الله تعالى يوضحان أساسين رئيسيين من أسس المفهوم الحقيقي للألوهية:
ذلك أن الإله الحق ـ الذي يؤمن به العقل بالبداهة والاستدلال البرهاني ـ وهو: الغني بذاته وصفاته الذي لا يحتاج إلى شيء والكامل في قدرته وعلمه وحكمته، الذي يفعل ما يشاء ويختار، والذي يرجع إلى قدرته وحده فعل كل شيء وخلق كل شيء وتقديره.
وحيث يدرك العقلاء هذه الحقيقة لمفهوم الألوهية، فإنهم ـ لا غرو ـ يرجعون إليه في كل حاجة من حاجاتهم التي يرجونها، أو يلحون في طلبها، فإن كانت من المطالب التي لها أسباب دارية معروفة فإنهم يسألون الله تعالى أن ييسر لهم أسبابها ويسهل لهم طرقها ويدفع عنهم العوائق والعقبات. وإن لم تكن لها أسباب مادية معروفة: فإنهم يرجعون إلى الله تعالى، سائلين أن يحققها لهم كيف يشاء وعلى ما يريد. ثم لا يشركون مع الله أحداً فيما يسألون، لأنهم يعلمون ويعتقدون اعتقاداً جازماً أن الله هو وحده القادر على كل شيء وهو حده الفعال لما يريد.
وتمكيناً لهذه العقيدة الإسلامية فقد علمها رسول الله إلى ابن عمه عبد الله بن عباس ـ وهو غلام صغير ـ
وقد كان راكباً خلفه، فعن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله يوماً فقال: «يا غلام: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف» رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم.