أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــــــــة التـــــــــــــاسعة في موضـــــــــــــــــوع الـــــــــــــــــــــــــــرب
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع ( الرب ) وهي بعنوان:*الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ اللهِ (الرَّب) :
فإذا نظرت إلى التربية المادية المحسوسة -تربية الأجسام- فالله -تبارك وتعالى- يسلّ النطفة من الصلب، ثم يجعلها علقة، ثم مضغة، ثم يخلق المضغة عظاماً، ثم يكسو العظم لحماً، ثم بعد ذلك يخلق هذه الروح، تُنفخ الروح في هذا البدن؛ فتبدأ الحياة، والحركة، ويتحول ذلك الجسد إلى مخلوق آخر، ثم يخرجه الله إلى هذه الدنيا في حال من الضعف، والصغر، والضآلة، فلا يزال ينميه، وينشئه حتى يجعله رجلاً، بعدما ينتقل من طور إلى طور، الطفولة, ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم يكون شيخاً، وهكذا كل شيء خلقه الله فهو القائم عليه، المبلغ إياه الحد الذي وضعه له، وجعله نهاية ومقداراً له.
فهذه تربية للأبدان، تربية حسية، ينقله من طور إلى طور حتى يكتمل، تقول: فلان يربي فُلوّه -فرسه الصغير-، فلان يربي دابته، فلان يربي ولده.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- إلى أن الربوبية ترجع إلى معنى: الخلق، والتقدير، وأن هاتين الصفتين غالبتان على معنى الربوبية، على معنى اسم الرب -تبارك وتعالى-، وعللا ذلك بأن الخلق،والتقدير من أخص صفات الربوبية التي وصف الله تعالى بها نفسه في آيات كثيرة من القرآن
ولهذا قلت: إن ذلك يقودنا إلى الكلام على معنى الخالق، وإن من معاني الخالق الموجد، المنشئ من العدم، وكذلك المقدر.
ومما سبق ندرك بأن الرب هو: الذي يخلق، ويدبر ما خلق، كما قال الله عن قيل موسى ﷺ عندما بين حقيقة الربوبية ومعناها لفرعون لما سأله: فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (طه:)49 )، فأجابه: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (طه:50) فأجاب موسى ﷺ عن معنى الربوبية بهذين المعنيين الجامعين:
الأول: إفراد الله بتخليق الأشياء، وتكوينها، وإنشائها
من العدم، حيث أعطى كل شيء خلقه، ووجوده،
ومن ذلك الصورة، أعطاه صورته؛ ولهذا أقول: لابد من الكلام على اسم الله المصور.
الثاني: إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه، وهدايتهم إلى قيام شئونهم، وتصريف أحوالهم، والعناية بهم، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون (الزمر:62-63)
فهذا الاسم الكريم هو من أصول الأسماء الحسنى التي ترجع إليها كثير من الأسماء؛ لأنه متضمن لصفات الخلق، والرزق، الذي يعطي، ويغدق النعم، ويمد، هذا هو الرزق الحسي، والمعنوي.
وكذلك الملك، والتدبير، والحفظ، ونفوذ المشيئة،
والحكم، وغير ذلك من شئون الربوبية المختصة به --، ولا شك أن الإقرار بهذه المعاني أمر مركوز في فطر الخلق، فكما سيأتي أنه حتى المشركون الذين حاربوا النبي ﷺ، وردوا دعوته كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، والله يقول: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ (يونس:31)، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (العنكبوت:61)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم.