أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــــــــة الثــــــــــــــالثة في موضـــــــــــــــــوع الـــــــــــــــــــــــــــرب
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع ( الرب ) وهي
بعنوان : المقدمة(الرب اسم من أسماء الله الحسنى) :
وهو اسمٌ عظيم لله جلّ وعلا، تكرّر وروده في القرآن الكريم في مقامات عديدة وسياقات متنوعة تزيد على خمسمائة مرَّة، قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162]، وقال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام: 164]، وقال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 29]، وقال تعالى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس: 54].
ومعنى الربِّ أي: ذو الرُّبوبية على خلقه أجمعين خلقاً ومُلكاً وتصرُّفاً وتدبيراً، وهو من الأسماء الدالة على جملةِ معانٍ لا على معنى واحد.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "الرب في كلام العرب متصرف على معان، فالسيد المطاع فيهم يدعى ربّاً، والرجل المصلح الشيء يدعى ربّاً، والمالك للشيء يدعى ربه، وقد يتصرف أيضاً في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود على بعض هذه الوجوه الثلاثة، فربنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر"[ "تفسيره" (1/ 142 باختصار
وقال ابن الأثير رحمه الله: "الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبِّر والمربِّي والقيِّم والمنعم، ولا يطلق غير مضافٍ إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أُضيف، فيقال: رب كذا" [ "النهاية في غريب الحديث" (1/ 179).]
بل إنَّ هذا الاسم إذا أُفرد تناول في دلالاته سائرَ أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وفي هذا يقول العلاّمة ابن القيم رحمه الله: "إن الرب هو القادر الخالق البارئ المصوِّر الحيُّ القيُّوم العليم السميع البصير المحسن المنعم الجواد، المعطي المانع، الضار النافع، المقدِّم المؤخِّر، الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقُّه من الأسماء الحسنى" [ "بدائع الفوائد" (2/ 212)..] أهـ.
وذلك أن من يُمعن النظر في هذا الاسم ويتأمّل في دلالته يشهد "قيوماً قام بنفسه، وقام به كل شيء، فهو قائم على كلِّ نفس بخيرها وشرِّها، قد استوى على عرشه، وتفرّد بتدبير ملكه، فالتدبير كلّه بيديه، ومصير الأمور كلها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرّفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب، وإغاثة الملهوفين، وإجابة المضطرين (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]. لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، ولا معقِّب لحكمه، ولا رادّ لأمره، ولا مبدّل لكلماته، تعرج الملائكة والرّوح إليه، وتعرض الأعمال أوّل النهار وآخره عليه، فيقدّر المقادير، ويوقت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائماً بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه" [ "كتاب الصلاة" (ص/173).(1/80) ]
وربوبية الله للعالمين تشمل العالم كله، فهو الذي رَبَّى جميع المخلوقات بنعمه وأوجدها بمشيئته وقدرته، وأمدها بما تحتاج إليه، أعطى كل شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كل مخلوق لما خلق له، وأغدق على عباده النعم، ونماهم وغذَّاهم وربَّاهم أكمل تربية.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم.