أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة التاسعة عشرة بعد المـائة في موضـــــــــــــوع الغنـــــــــــي المغنـــــــــــي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه الحلقة

التاسعة عشرة بعد المائة في موضوع (الغني المغني) من اسماء الله الحسنى

وصفاته وهي بعنوان: *الرضا جنة الدنيا ومفتاح الغنى (خطبة) :

  اعلموا أن زِينةَ المؤمنِ أنْ يكونَ بين الناسِ وقورًا، وفي خلْوته لربه حامدًا شكُورًا، مُستغفِرًا مُنيبًا ذَكُورًا، ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20].

معاشِرَ المؤمنينَ الكِرام، اقْتَضتْ حِكْمَةُ اللهُ تَعالى أن دَوامَ الحَالِ مِنْ المحالِ،

 وأنَ حَياةَ العبدِ لا بد أن تتقلبَ بين شِدةٍ ورَخاءٍ، وعُسْرٍ ويُسْرٍ، وفَرحٍ وحُزنٍ، ورَاحَةٍ وتَعبٍ، وصِحَةٍ ومَرضٍ، وغِنىً وفَقْرٍ؛ قالَ الشاعِرُ الحكِيم:

ثَمانِيةٌ تَجرِي على الناسِ كُلهِمْ  *** ولا بُد للإنسَانِ يَلقَى الثمَانِيَة

سُرورٌ وهَمٌ واجتِمَاعٌ وفُرْقَةٌ  *** وعُسْرٌ ويُسْرٌ ثم سُقْمٌ وعَافِية

وكُل ذلك تمحيصٌ لإيمانِ الناس؛ قال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، ويَقُولُ جل وعلا: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، ومن بين أكوامِ تلك الابتلاءاتِ المتنوِعَة، يَبحَثُ الناسُ عَن السعادةِ والطُمأنِينةِ والحياةِ الطيبةِ، وهُم في بَحثِهِم هذا طَرائِقَ قِدَدَا، ومَذاهِبَ شَتى، وقَليلٌ مِنهُم مَنْ يُوفَقُ للهُدَى، ويُيَسرُ لليُسْرَى؛ يُقولُ جل وعلا: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، ويُقُولُ سُبحَانَهُ: ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 162].

إنه الرضَا يا عِباد اللهِ: أنْ يَرضَى العَبدُ عَن اللهِ تَعالى في كُل أحيَانِهِ، وعلى

جَميعِ أحْوالِهِ، عَافاهُ اللهُ أو ابتلاه، أفْقَرهُ أو أغْنَاه، مَنعَهُ أو أعْطَاهُ، الرضَا كمَا عَرفَهُ بَعْضُهُم: هو سُكُونُ القلبِ لما اختارهُ لك الرب، واليقينُ أن الخيرَ والخِيَرَةَ، فيما قضاهُ اللهُ وقَدرَهُ، الرضَا كما يُقولُ ابن القيمِ رحِمهُ اللهُ: بابُ اللهُ الأعظمِ، وجَنةُ الدنيا، ومُستراحُ العَابدِين، مَنْ مَلأ قَلبهُ بالرِضَا، مَلأ اللهُ صَدْرَهُ أمْنًا وغِنًى.

الرضَا بالقَضَاءِ، وبما قَسَمَ اللهُ وأعطَى، بلا اعتراضٍ، هو بَوابَةُ السعَادَةِ، ومِفتَاحُ الراحَةِ، وبَلسَمُ السَكِينَةِ، وتِريَاقُ الطُّمَأنِينَةِ والهنَاء.

المؤمِنُ الرَاضِي بما كُتبَ لهُ من القَضَاء، وما قُسِمَ لهُ من العطاء، خيرًا كانَ أو

شرًّا، هو وحُدَهُ من يجِدُ سَكِينَةَ النفسِ، وطُمأنينةَ القلبِ، وانشراحَ الصدْرِ، هو وحْدَهُ الذي تَهونُ عَليهِ المصِيبَةَ، ويَخِفُ عَليهِ وقْعُهَا، هو وَحْدَهُ مَنْ يَثْبُتُ ويُربَطُ على قلْبِهِ، تأملْ قولَهُ تَعالى:﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾[التغابن: 11]، فقد ذَكَرَ بَعضُ المفسرينَ: أنها المصِيبَةُ تُصِيبُ الرجَلَ، فيَعْلَمَ أنها مِن عِندِ اللهِ عز وجل، فيُسَلمَ لها ويَرْضَى؛ يقول الإمام أبو حاتم: "لو لم يَكنْ في القَناعَةِ والرضَا إلا رَاحَةُ النفْسِ، وطُمأنينةُ القَلبِ، لكَانَ الواجِبُ على العَاقِلِ ألا يُفارِقَ القَناعَةَ والرضَا في كُل أحْوالِهِ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .