أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثامنة والتسعـون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان : 

* أسرار البيان في التعبير القرآني (التقديم والتأخير) :

وأما الآية الثانية فهي في سياق العمل، والعامل كاسب فقدم الكسب.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم} [آل عمران: 126] .

وقوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ

عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10] .

فقدم القلوب على الجار والمجرور في آل عمران فقال: (ولتطمئن قلوبكم به) ، وأخَّرها عنه في الأنفال فقال: (ولتطمئن به قلوبكم) علماً بأن الكلام على معركة بدر في الموطنين غير أن الموقف مختلف.

ففي آل عمران ذكر معركة بدر تمهيداً لذكر موقعه أُحد وما أصابهم فيها من قرح وحزن والمقام مقام مَسْح على القلوب وطمأنةٍ لها من مثل قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} [آل عمران: 139-140] إلى غير ذلك من آيات المواساة والتصبير فقال في هذا الموطن: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} [آل عمران: 126] فذكر أن البشرى (لهم) ، وقَدَّمَ (قلوبهم) على الإمداد بالملائكة فقال: {إِلاَّ بشرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} [آل عمران: 126] كل ذلك من قبيل المواساة والتبشير والطمأنينة.

ولما لم يكن المقام في الأنفال كذلك، وإنما المقام ذكر موقعة بدر وانتصارهم فيه ودور الإمداد السماوي في هذا النصر وقد فصل في ذلك أكثر مما ذكر في آل عمران فقال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 9-12] . أقول لما كان المقام مختلفاً خالف في التعبير.

إنه لما كان المقام في الأنفال مقام الانتصار وإبراز دور الإمداد الرباني قدم (به) على القلوب والضمير يعود على الإمداد. ولما كان المقام في آل عمران هو الطمأنة وتسكين القلوب قدمها على الإمداد فقال: {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفال: 10] وزاد كلمة (لكم) فقال: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ}

[آل عمران: 126] زيادة في المواساة والمسح على القلوب فجعل كلاً من مقامه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .