أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثالثة والثمانـون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان : 

* أسرار البيان في التعبير القرآني (التقديم والتأخير) :

2- تقديم اللفظ وتأخيره على غير العامل.

إن تقديم الألفاظ بعضها على بعض له أسباب عديدة يقتضيها المقام وسياق القول، يجمعها قولهم: إن التقديم إنما يكون للعناية والاهتمام. فما كانت به عنايتك أكبر قَدَّمتَهُ في الكلام. والعناية باللفظة لا تكون من حيث إنها لفظة معينة بل قد تكون العناية بحسب مقتضى الحال. ولذا كان عليك أن تقدم كلمة في موضع ثم تؤخرها في موضع آخر لأن مراعاة مقتضى الحال تقتضي ذاك. والقرآن أعلى مثل في ذلك فإننا نراه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة أخرى على حسب المقام. فنراه مثلاً يقدم السماء على الأرض ومرة يقدم الأرض على السماء، ومرة يقدم الإنس على الجن ومرة يقدم الجن على الإنس، ومرة يقدم الضر على النفع ومرة يقدم النفع على الضر، كل ذلك بحسب ما يقتضيه فن القول وسياق التعبير.

فإذا أردت أن تبين أسباب هذا التقديم أو ذاك فإنه لا يصح الاكتفاء بالقول إنه قدم هذه الكلمة هنا للعناية بها والاهتمام دون تبيين موطن هذه العناية وسبب هذا التقديم.

فإذا قيل لك مثلاً: لماذا قدم الله السماء على الأرض هنا؟

قلت: لأن الاهتمام بالسماء هنا أكبر.

ثم إذا قيل لك: ولماذا قدم الله الأرض على السماء في هذه الآية؟

قلت: لأن الاهتمام بالأرض هنا أكبر.

فإذا قيل لك: ولماذا كان الاهتمام بالسماء هناك أكبر وكان الاهتمام بالأرض أكبر؟ وجب عليك أن تبين سبب ذلك وبيان الاختلاف بين الموطنين، بحيث تُبين أنه لا يصح أو لا يَحْسُنُ تقديم الأرض على السماء فيما قدمت فيه السماء، أو تقديمُ السماء على الأرض فيما قدمت الأرض بياناً شافياً. وكذلك بقية المواطن الأخرى. أما أن تكتفي بعبارة أن هذه اللفظة قدمت للعناية والاهتما بها فهذا وجه من وجوه الإبهام. والاكتفاءُ بها يضيع معرفة التمايز بين الأساليب فلا تعرف الأسلوب العالي الرفيع من الأسلوب المهلهل السخيف، إذ كل واحد يقول لك: إن عنايتي بهذه اللفظة هنا أكبر دون البصر بما يستحقه المقام وما يقتضيه السياق.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .