أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثامنة والعشرون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

*{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَايَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖوَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}:

وجعل لذلك الزّمان نهاية وهي الوقت المضروب لانقضاء الإمهال ، فالأجل يطلق على مدّة الإمهال ، ويُطلق على الوقت المحدّد به انتهاء الإمهال ، ولا شكّ أنّه وُضع لأحد الأمرين ثمّ استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدّة أو تأخير المنتهى وشاع الاستعمالان . فعلى الأوّل يقال قَضى الأجلَ أي المدّة كما قال تعالى : { أيَّما الأجلين قضيت } [ القصص : 28 ] وعلى الثّاني يقال : «دنا أجل فلان» وقوله تعالى : { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } [ الأنعام : 128 ] والواقع في هذه الآية يصحّ للاستعمالين بأن يكون المراد بالأجل الأوّل المدّة ، وبالثّاني الوقت المحدّد لفعللٍ مَّا .

والمراد بالأمّة هنا الجماعة التي اشتركت في عقيدة الإشراك أو في تكذيب الرّسل ، كما يدلّ عليه السّياق من قوله تعالى : { وأن تشركوا بالله } [ الأعراف : 33 ] إلخ وليس المراد بالأمّة ، الجماعةَ التي يجمعها نسب أو لغة إذ لا يتصوّر انقراضها عن بكرة أبيها ، ولم يقع في التّاريخ انقراض إحداها ، وإنّما وقع في بعض الأمم أن انقرض غالب رجالها بحوادث عظيمة مثل ( طَسْمٍ ) و ( جَدِيس ) و ( عَدْوَان ) فتندمج بقاياها في أمم أخرى مجاورة لها فلا يقال لأمّة إنّ لها أجلا تنقرض فيه ، إلاّ بمعنى جماعة يجمعها أنّها مُرسل إليها رسول فكذّبته ، وكذلك كان ما صْدَق هذه الآية ، فإنّ العرب لمّا أرسل محمّد صلى الله عليه وسلم ابتدأ دعوته فيهم ولهم ، فآمن به من آمن ، وتَلاحق المؤمنون أفواجاً ، وكذّب به أهل مكّة وتبعهم مَن حولهم ، وأمهل الله العربَ بحكمته وبرحمة نبيّه صلى الله عليه وسلم إذ قال : « لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده » فلطف الله بهم إذ جعلهم مختلطين مؤمنهم ومشركهم ، ثمّ هاجر المؤمنون فبقيت مكّة دار شرك وتمحّض مَنْ عَلِم الله أنّهم لا يؤمنون فأرسل الله عليهم عبادَهُ المؤمنين فاستأصلوهم فوْجاً بعد فوح ، في يوم بدر وما بعده من أيّام الإسلام ، إلى أن تَم استئصال أهل الشّرك بقتل بقيّة من قتل منهم في غزوة الفتح ، مثل عبد الله بن خَطَل ومن قُتل معه ، فلمّا فتحت مكّة دان العرب للإسلام وانقرض أهل الشّرك ، ولم تقم للشّرك قائمة بعد ذلك ، وأظهر الله عنايته بالأمّة العربيّة إذ كانت من أوّللِ دعوة الرّسول غير متمحّضة للشّرك ، بل كان فيها مسلمون من أوّل يوم الدّعوة ، وما زالوا يتزايدون

وليس المراد في الآية ، بأجل الأمّة ، أجلَ أفرادها ، وهو مدّة حياة كلّ

واحد منها ، لأنّه لا علاقة له بالسّياق ، ولأنّ إسناده إلى الأمّة يعيّن أنّه أجل مجموعها لا أفرادها ، ولو أريد آجال الأفراد لقال لكلّ أحد أو لكلّ حَيّ أجل .

و { إذا } ظرف زمان للمستقبل في الغالب ، وتتضمّن معنى الشّرط غالباً ، لأنّ معاني الظّروف قريبَة من معاني الشّرط لما فيها من التّعليق ، وقد استُغني بفاء تفريع عامل الظرّف هنا عن الإتيان بالفاء في جواب ( إذا ) لظهور معنى الرّبط والتّعليق بمجموع الظّرفية والتّفريع ، والمفرعُ هو : { جاء أجلهم } وإنّما قدم الظّرف على عامله للاهتمام به ليتأكدّ بذلك

التّقديممِ معنى التّعليق . والمجيء مجاز في الحلول المقدَّر له كقولهم جاء الشّتاء .

وإفراد الأجل في قوله : { إذا جاء أجلهم } مراعى فيه الجنس ، الصّادق بالكثير ، بقرينة إضافته إلى ضمير الجمع .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .