أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثالثة والعشرون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

*الحكمة من التَّقديم وأسراره:

(8) الكثرة؛ كقوله: ﴿ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ﴾ [التغابن: 2]؛ لأن الكفار أكثر. ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ [فاطر: 32] قدَّم الظالم لكثرته؛ ثم المقتصد، ثم السابق؛ ولهذا قدَّم السارق على السارقة؛ لأن السرقة في الذكور أكثر، والزانية على الزاني؛ لأن الزنا فيهنَّ أكثر.

ومنه تقديم الرحمة على العذاب حيث وقع في القرآن غالبًا؛ ولهذا ورد: ((إن رحمتي غلبَتْ غضبي)).

وقوله: ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14]، قال ابن الحاجب (رحمه الله): إنما قدم الأزواج؛ لأن المقصود الإخبارُ أن فيهم أعداءً، ووقوع ذلك في الأزواج أكثر منه في الأولاد، وكان أقعد في المعنى المراد فقدم؛ ولذلك قدمت الأموال في قوله: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]؛ لأن الأموالَ لا تكاد تفارقها الفتنةُ؛ ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، وليست الأولاد في استلزام الفتنة مثلها؛ فكان تقديمها أَوْلى.

(9) الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى؛ كقوله: ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 195]، بدأ بالأدنى لغرض الترقي؛ لأن اليدَ أشرفُ من الرِّجْل، والعين أشرف من اليد، والسمع أشرف من البصر، ومن هذا النوع تأخير الأبلغ، وقد خرج عليه تقديم الرحمن على الرحيم، والرؤوف على الرحيم، والرسول على النبي في قوله: ﴿ وَكَانَ

رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 51]، وذُكِرَ لذلك نُكَتٌ، أشهرها: مراعاة الفاصلة.

(10) التدلِّي مِن الأعلى إلى الأدنى، وخرج عليه: ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ﴾ [الكهف: 49]، ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [النساء: 172] .

(11) منها كونه أدلَّ على القدرة وأعجب؛ كقوله: ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ﴾ [النور: 45]، وقوله: ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ [الأنبياء: 79].

قال الزمخشري: قدم الجبال على الطير؛ لأن تسخيرها له وتسبيحَها أعجبُ وأدلُّ على القدرة، وأدخلُ في الإعجاز؛ لأنها جمادٌ، والطير حيوانٌ ناطقٍ.

(12) رعاية الفواصل؛ كقوله: ﴿ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]، بتقديم "إياه" على "تعبدون" لمشاكلة رؤوس الآي، وكقوله: ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴾ [طه: 67]؛ فإنه لو أخَّر (في نفسه) عن (موسى) فات تناسُبُ الفواصل؛ لأن قبله: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، وبعده: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ [طه: 68].

وكقوله: ﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم: 50]؛ فإن تأخيرَ الفاعل عن المفعول؛ لمناسبتِه لِما بعده.

وكقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: 51]، وهو أشكلُ بما قبله؛ لأن قبله: ﴿ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [إبراهيم: 49].

ومنه: ﴿ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ [طه: 70] بتقديم "هارون"، مع أن "موسى" أحقُّ بالتَّقديم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .