أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة التاسعة والسبعــون في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقةالتاسعة

والسبعون في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

*النَّوْعُ الثَّانِي: مِمَّا قُدِّمَ النِّيَّةُ بِهِ التَّأْخِيرُ: التَّغْلِيبُ:

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأرض كل له قانتون}، قِيلَ: أَوْقَعَ (مَا) لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى أَنْوَاعِ مَنْ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مَنْ يَعْقِلُ ومالا يعقل فغلب مالا يَعْقِلُ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَيُنَاقِضُهُ {كُلٌّ لَهُ قانتون}.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ جَاءَ بِـ: (مَا) تَحْقِيرًا لِشَأْنِهِمْ وَتَصْغِيرًا قَالَ: (لَهُ قَانِتُونَ) تَعْظِيمٌ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الضَّائِعِ بِصِحَّةِ وُقُوعِهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَهَذَا غَايَةُ الْخَطَأِ، وَقَوْلُهُ فِي دعاء الأصنام: {هل يسمعونكم إذ تدعون}.

وقوله: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} وأما قوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقوله: {في فلك يسبحون} {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}.

{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رأيتهم لي ساجدين}.

{لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها}. {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}.

لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهَا بِأَخْبَارِ الْآدَمِيِّينَ جَرَى ضَمِيرُهَا عَلَى حَدِّ مَنْ يَعْقِلُ وَكَذَا الْبَوَاقِي. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ غُلِّبَ غَيْرُ الْعَاقِلِ عَلَى الْعَاقِلِ فِي قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض من دابة} فَإِنَّهُ لَوْ غُلِّبَ الْعَاقِلُ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ لَأَتَى بِـ: (مَنْ).

فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ غُلِّبَ فِيهِ مَنْ يَعْقِلُ وَعُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِـ: (مَا) لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَجْنَاسِ مَنْ يعقل خاصة كهذه الآية.

قوله: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن} وَلَمْ يَقُلْ (وَمَنْ فِيهِنَّ) قِيلَ:

 لِأَنَّ كَلِمَةَ (مَا) تَتَنَاوَلُ الْأَجْنَاسَ كُلَّهَا تَنَاوُلًا عَامًّا بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَ: (مَنْ) لَا تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ (مَا) هُنَا أَوْلَى.

وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ تَغْلِيبُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يذرأكم فيه}، أَيْ خَلَقَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ جِنْسِكُمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَخَلَقَ الْأَنْعَامَ أَيْضًا مِنْ أَنْفُسِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا يَذْرَؤُكُمْ أَيْ يُنْبِتُكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ فِي هَذَا التَّدْبِيرِ وَالْجَعْلِ فَهُوَ خطاب للجميع للناس المخاطبين وللأنعام المذكور بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ فَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ ذِكْرُ الْجَمِيعِ- أَعَنَى النَّاسَ والأنعام- بطريق الخطاب لأن الأنعام غيب (وفيه) تغليب الْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ خِطَابُ الْجَمْعِ بِلَفْظِ (كُمْ) الْمُخْتَصِّ بِالْعُقَلَاءِ فَفِي لَفْظِ (كُمْ) تَغْلِيبَانِ وَلَوْلَا التَّغْلِيبُ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: يَذْرَؤُكُمْ وَإِيَّاهَا هَكَذَا قَرَّرَهُ السَّكَّاكِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ.

وَنُوزِعَا فِيهِ بِأَنَّ جَعْلَ الْخِطَابِ شَامِلًا لِلْأَنْعَامِ تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ إِظْهَارُ الْقُدْرَةِ وَبَيَانُ الْأَلْطَافِ فِي حَقِّ النَّاسِ فَالْخِطَابُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَالْمَعْنَى: يُكَثِّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي التَّدْبِيرِ حَيْثُ مَكَّنَكُمْ مِنَ التَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَهَيَّأَ لَكُمْ مِنْ مَصَالِحِكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي تَرْتِيبِ الْمَعَاشِ وَتَدْبِيرِ التَّوَالُدِ وَجَعَلَهَا أَزْوَاجًا تَبْقَى بِبَقَائِكُمْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا وَهَذَا أَنْسَبُ بِنَظْمِ الْكَلَامِ مِمَّا قَرَّرُوهُ وَهُوَ جَعْلُ الأنعام أنفسها أزواجا.

وقوله: {يذرأكم فيه} أَيْ فِي هَذَا التَّدْبِيرِ، كَأَنَّهُ مَحَلٌّ لِذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ (بِهِ) كَمَا قَالَ: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} لِأَنَّهُ مَسُوقٌ لِإِظْهَارِ الِاقْتِدَارِ مَعَ الْوَحْدَانِيَّةِ فَأَسْقَطَ السَّبَبِيَّةِ وَأَثْبَتَ (فِي) الظَّرْفِيَّةَ وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ إِعْجَازِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} لِأَنَّ الْحَيَاةَ مِنْ شَأْنِهَا الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لَا إِلَى غَيْرِهِ فَاخْتِيرَتْ (فِي) عَلَى الْبَاءِ لِأَنَّهُ مَسُوقٌ لِبَيَانِ التَّرْغِيبِ وَالْمَعْنَى مَفْهُومٌ وَالْقِصَاصُ مَسُوقٌ لِلتَّجْوِيزِ وَحُسْنِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ للتقوى}.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .