أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الخامسة والتسعــون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

‏ وفي الأمر بإعداد ما يستطاع من القوة نهي عن الإهمال والتقاعس عن امتلاك أقصى ما يمكن ‏امتلاكه من القوة الحقيقية ووسائلها لا القوة الصورية أو الاستعراضية، فالأمة الإسلامية أمة رسالية، ‏مطلوب منها تبليغ رسالة الله إلى العالمين.‏

‏ وقد بين نص الآية السبب الذي لأجله أمر المسلمون بإعداد ما يستطاع من القوة، وهو قوله ‏تعالى :"تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ" فكان في إعداد ‏القوة البالغة أمان للأمة من الأعداء المعروفين وغير المعروفين، حتى إنه ليخافها ويرهب جانبها من لا ‏يعرفه المسلمون، مما يشكل رادعا لمن تسول له نفسه بمهاجمتهم أو التآمر عليهم، ويصير الإهمال في ‏إعداد ما يستطاع من القوة مدعاة لأن يستخف بهم اعداؤهم ويتجرؤون عليهم. ‏

هذا النص القرآني في وجوب إعداد القوة التي تخيف الأعداء بغرض تأمين الدعوة إلى الله تعالى ‏في أرض الله، وتأمين دار الإسلام ضد عدوان المعتدين، يفتح باب التصنيع الحربي أمام المسلمين على ‏مصراعيه، لأن إعداد المستطاع من القوة لا يتم إلا بذلك، ومن القواعد المشهورة عند أهل العلم أن ‏ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، من هنا يظهر وجوب إقامة المصانع الحربية التي تمد جيوش ‏المسلمين بالآلة الحربية المناسبة لعصرهم في جميع المجالات الحربية :البرية والبحرية والجوية.‏

‏ ويستتبع إقامة المصانع الحربية العناية بتدريس العلوم التقنية، التي تعد بمثابة اللبنة الأولى الازمة ‏لإقامة تلك المصانع، وتشجيع البحث العلمي، ورصد الميزانيات المناسبة له، وليس يقبل عقلا أو شرعا ‏أن ميزانية بعض أندية الألعاب البدنية، أو مؤسسات اللهو كالسينما ونحوها في بلد مسلم واحد، ‏تفوق

ميزانيات البحث العلمي في بلاد المسلمين مجتمعة.‏

وقد ظهرت عناية الشريعة بالتصنيع الحربي لما له من أهمية، فقال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  :"إن الله ليدخل ‏بالسهم الواحد ثلاثةً الجنةَ :صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممد به، وقال ارموا ‏واركبوا، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، ‏وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق"‏ ، وقد تناول هذا الحديث أمور ثلاثة رامي السهم وهو ‏يمثل الجيش وصانعه وهو يمثل الصناعات الحربية والممد به وهو يمثل التموين والإمداد الذي تحتاج إليه ‏الجيوش.‏

وقد بين رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  أهمية ائتلاف تلك العناصر الثلاثة وأشركهم جميعا في حصول الثواب، ‏فلم يقصر ثواب الجهاد وأجره على المجاهد الفعلي، بل جعل القائم بالصناعة الحربية شريكا للمجاهد ‏في دخول الجنة لما يترتب عليها من نشر الدين وحماية الحوزة، ولأن المجاهد بالفعل يحتاج في جهاده ‏إلى الآلة الحربية المناسبة، وهذه لا يمكن الحصول عليها إلا بالتصنيع، كما بين الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم  أهمية ‏الإمداد والتموين فقد يوجد المجاهد ويوجد السلاح، ولا يوجد من يوصل السلاح إلى المجاهد وقت ‏الحاجة إليه، فلا بد من وجود من يمد بالسلاح ويوصله إلى من يجاهد به. ‏

‏ وقوله ‏ صلى الله عليه وسلم  :صانعه يحتسب في صنعته الخير، يعني يطلب في صنعة السهم الثواب من الله تعالى، ‏وهذا لا يعني أن لا يأخذ على ذلك أجرا، بل القصد أن يكون يريد بذلك العمل نصرة الدين ‏والدفاع عن حوزة المسلمين. ‏

وقد أشار القرآن إلى الصناعات الحربية في قوله تعالى :"... وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ‏‏..ٌالآية

[الحديد :25]، قال ابن كثير :" فيه بأس شديد، يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ‏والنصال والدروع ونحوها"‏ ، والحديد لا يصير سيوفا وحرابا ونصالا إلا بالتصنيع، وكذلك قال تعالى ‏ممتنا بتعليم الصناعة الحربية لعبده داود عليه السلام :"وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ‏فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ" [الأنبياء :80] قال القرطبي :"قوله تعالى :" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ " [الأنبياء :80]، ‏يعني اتخاذ الدروع بإلانة الحديد له، واللبوس عند العرب السلاح كله :درعا كان أو جوشنا أو سيفا ‏أو رمحا"‏ ‏. وقال تعالى :"وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ ‏اعْمَلْ سَابِغَاتٍ" [سبأ 10 ، 11 ] والسابغات جمع سابغة، وهي الدرع التي تغطي المقاتل غطاء وافيا، ‏والدرع :القميص من حديد أو غيره.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.