أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والتسعــون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون    بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* فقه قدرة الرب :

وهناك كان طريق الأسباب معطلاً، حيث لا ماء ولا نبات ولا إنسان، فهاجر وابنها حسب الأسباب الظاهرة هالكان لا محالة، ولكن هاجر أخذت بالأسباب، فانطلقت تسعى بين الصفا والمروة، تصعد على هذا التل، ثم تصعد على ذلك التل، عسى أن ترى إنساناً أو طيراً أو قافلة أو سبباً من أسباب الحياة تتمسك به، وتستفيد منه هي وابنها، وقطعت المسافة سبع مرات بين الصفا

والمروة ولم تجد شيءاً، ولم تر أحداً.

فنال منها التعب، فجلست بجوار وليدها عند البيت، فإذا الملك يضرب بجناحه الأرض، فظهر الماء بأمر الله، وانفجر بئر زمزم بالماء، فجعلت تحوطه وشربت هي وابنها، ودَّبت الحياة في ذلك المكان، فبعد بذل الأسباب الممكنة ظهرت قدرة الله في الوقت الذي تعطلت فيه الأسباب.

وموسى - صلى الله عليه وسلم - خافت أمه أن يذبحه فرعون ورجاله، وكان من الممكن أن تخفيه في دار أو مغارة، أو تسافر به سراً من مصر، وكانت هذه هي طريقة النجاة المعروفة بين الناس.

ولكن الله القدير أراد أن يجعل من قصة موسى - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى يدل على كمال قدرته سبحانه، بأن ينجيه بأسباب الهلاك لا بأسباب النجاة، ليعلم الناس أن الله على كل شيء قدير، يظهر قدرته سبحانه بالأسباب، وبدون الأسباب، وبضد الأسباب.

فأوحى سبحانه إلى أم موسى أن تضعه في الصندوق، وتلقيه في الماء، ليكون هذا هو السبيل لنجاته

وحفظ حياته، وسيراه الناس جميعاً، فالواقف على شاطئ البحر يتطلع للظفر به، فكأنما هذا إعلان لا إخفاء، ومع ذلك جعل الله هذا الإعلام هو عين الإخفاء، وهو وإن سلم من أكل الطير أو الغرق في النهر فسيأخذه لا شخص يحفظه ويربيه، بل سيأخذه عدو لله وعدو له، ولكن الله أراد نجاته وحفظه على يد من يريد هلاكه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)} [القصص: 7].

ألا ما أعظم قدرة الله، لقد أخذه فرعون، ورباه في قصره على يد امرأته كما قال سبحانه:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} [طه]

ثم أرسل الله موسى - صلى الله عليه وسلم - إلى فرعون وملئه، فلم يؤمنوا بما جاء به، فأهلكهم الله وأغرقهم في البحر

كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ

 مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} [الذاريات: 38 - 40].

وهكذا أظهر الله قدرته في مواقف كثيرة في حياة موسى مع فرعون، ومع بني إسرائيل، وأظهر قدرته بضد الأسباب.

والله عزَّ وجلَّ يعرض لنا هذه الأحوال التي جرت للأنبياء، وأظهر الله فيها قدرته في حفظهم ونصرتهم، تثبيتاً للمؤمنين على الإيمان، وليستفيدوا هم كذلك من قدرة الله بالايمان والتقوى كما استفاد الأنبياء والرسل.

وليس معنى هذا ألا نأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نعمل منتظرين ظهور قدرة الله، بل إن ظهور قدرة الله لا تتم إلا إذا استنفذ الإنسان الأسباب أولاً، فإذا فرغ الإنسان من فعل الأسباب المأمور بها ولم تعطه شيئاً، رفع يديه إلى السماء، ولهذا يقول الله سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} [النمل: 62].

والمضطر هنا هو الذي يستنفذ أسباب الدنيا، ولا يجد أمامه مخرجاً، وهذا هو الذي تنفتح لدعائه أبواب السماء. والله عزَّ وجلَّ يبتلي عباده، ليعلم من يتوجه إليه عند المصائب، وليعلم صدق العبد، وقوة إيمانه، وقوة صبره، وهذه الاختبارات الإيمانية هي الأساس، ليزيل الله الضيق، ويذهب الهم، ويفرج الكرب، ويظهر قدرته لعباده.

فحين لا يقف للباطل والطغيان أحد، يظهر الله قدرته في تدميره بما شاء، حتى لا يعم الفساد في

الأرض، فحين جاء أبرهة بعدد ضخم من الجنود والأفيال ليهدم الكعبة، وخرج سكان مكة إلى الجبال تاركين البيت الحرام، لأنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام أبرهة وأفياله وجنوده وجيشه الجرار، وهنا تخلى أهل مكة عن قضية حق، وهي حماية بيت الله الحرام ممن يريد أن يهدمه، فماذا فعل الملك الجبار جل جلاله؟

هنا أراد الله سبحانه أن يريهم أن أبرهة الجبار الذي يخشونه، والجيش الجرار الذي يهابونه، هو عند

الله لا يساوي شيئاً، ويعلمهم أن صاحب الحق الضعيف يجب أن لايخاف من الباطل القوي.

ولهذا جاء الله جل جلاله بالطير الصغير الضعيف ليقول للبشر أن أضعف مخلوقاتي سيهزم هذا الجيش الجبار ويمحقه، ويقوم بنصرة الحق إذا تركتموه كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [الفيل: 1 - 5].

وانطلقت الطير بأمر الله تحمل حجارة صغيرة من سجيل قضت على الفيلة الجبارة، والجيش الجبار في زمن قصير، وحطمت الجيش تماماً، وظهرت قدرة الله في حفظ بيته من الجبابرة المعتدين.

ألا ما أعظم قوة الله، وما أعظم قدرته، وما أعظم خلقه وأمره: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} [الحج: 74].[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - فقه قدرة الرب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.