أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الخامسة والخمسـون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة عمر بن الخطاب :
ثالثًا: القوة الإيمانية :
"العقيدة المكينة، معين لا ينضب للنشاط الموصول، والحماسة المدخورة، واحتمال الصعاب، ومواجهة الأخطار، بل هي سائق حثيث يدفع إلى لقاء الموت دون تهيب، إن لم يكن لقاء محب مشتاق، تلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن، إنه يضفي على صاحبه قوة تنطبع في سلوكه كله، فإذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا في عمله، وإذا اتجه كان واضحا في اتجاهه، وما دام مطمئنًا إلى الفكرة التي تملأ عقله، وإلى العاطفة التي تغمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلًا إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه" [محمد الغزالي: خلق المسلم ص [86].]
وعمر الذي كان بين الصحابة متفردًا بالصرامة والصراحة والقوة في الحق، والشدة في دين الله. هو نفسه عمر الأواه الأواب الخاشع الضارع المخبت المنيب، الذي ذلت له نفسه في الله، بل ذل له شيطانه الذي لم يجرؤ أن يسير في طريق يسلكه عمر وإذا رآه ولى مدبرًا، وما أفصح وأدق قول رسول الله وهو يرى عمر داخلًا عليه ذات يوم فيقول: "إِيِهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ. إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ". ولت الشياطين الدبر فَرَقًا وخَوْفًا من هذا المؤمن المُؤَيد بنصرة الله، ويئست منه أن
تصرفه عن عزائم الأمور، أو الوسوسة له بالشر، فليس هذا من شأنها معه.
ويكفي المرء في معرفة قدر الفاروق عمر أن يتعرف على وصف الرسول للفاروق بالشدة في دينه والقوة في أمر الله تعالى، يروي أنس بن مالك عن الرسول: «أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ».
وقال صهيب : لما أسلم عمر بن الخطاب ظهر الإسلام ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، واتنصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه.
إنه عمر وما أدراك ما عمر
أَعْنِي بِهِ الْفَارُوقَ فَرَّقَ عُنْوَةً *** بِالسَّيْفِ بَيْنِ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ
هُوَ أَظْهَرَ الإِسْلامَ بَعْدَ خَفَائِهِ *** وَمَحَا الظَّلامَ وَبَاحَ بِالْكِتْمَانِ
هجرة الفاروق عمر:
لما أسلم عمر بن الخطاب أَبَى إلا أن يكون إسلامه علانية، وإيمانه مشتهرًا يتسامع به الناس، كذا لما أراد الهجرة أبى إلا أن تكون علانية. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب.
فإنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أتى المقام، فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة، واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي.
قال ابن الجوزي: قويت شدة عمر في الدين فصلبت عزائمه، فلما حانت الهجرة، تسللوا تسلل القطا، واختال عمر في مشيته، فقال: عند خروجه ها أنا
أخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.
ولنا وقفة مع هذا المشهد العمري، إذ كيف يهاجر عمر بن الخطاب جهرًا، ويهاجر الرسول سرًّا.
إن عمر لا يمثل القدوة للمسلمين؛ وإنما القدوة الأولى هو الرسول، وفي المسلمين من هو ضعيف ومن هو قوي، وعدم اعتراض النبي على خروج عمر جهرًا فيه دلالة واضحة على أن من استطاع من المسلمين أن يخرج في قوة وجهر حال كونه قادرًا على ذلك فليفعل، ومن استطاع من المسلمين الأقوياء أن يظهر معالم الإسلام في مجتمع تسود فيه الجاهلية فليفعل وفي عمر قدوة له، ولكن ليس على الضعفاء حرج.
هيبة عمر: اتصف الفاروق بالهيبة لما كان عليه من قوة الدين، والحرص على أمر الله، والوقوف عند حدوده.
ومن هيبة الفاروق أن هناك جارية نذرت أن تضرب بين يدي النبي إن رده سالمًا، فلما أذن لها رسول الله في الوفاء بما نذرت فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، وقعدت عليه هيبة له.
ومن هيبة الفاروق، أنه كان للإسلام حصنًا فقمع الكافرين وكبت المنافقين وعلت في خلافته راية الموحدين.
رجل لا تأخذه في الله لومة لائم:
يروي طارق بن شهاب رحمه الله أن حذيفة خطبهم فقال: والله ما أعرف رجلًا لا تأخذه في الله لومة لائم غير هذا الرجل: عمر بن الخطاب فكيف أنتم لو قد فارقكم؟! ألا يدعونا ذلك إلى التأسي بالفاروق بألا تأخذنا في الله لومة لائم.
ألا نقتدي بعمر فنقدم مرضاة الله تعالى على الخلق أجمعين. هذا ما نرجوه، وهذا ما نتمناه.
الشيطان يفر من عمر: من مناقب عمر بن الخطاب التي عُرف بها بين أصحاب النبي أن الشيطان كان يفر منه، ويسلك طريقًا غير طريقه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.