أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الرابعة والأربعون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد
المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : القوة نوعانِ :
غير أن هناك نوعًا آخر من الإعداد، لا بد من تحقُّقه قبل لقاء العدو؛ كي ينال المسلمون ثمرة الإعداد
وبركاته، وهي إما إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وإما تحقُّق النصر عند اللقاء، ألا وهو التوبة من الذنوب، والإقلاع عن المعاصي، ورد المظالم، والتقرب إلى الله تعالى بأعمال صالحة، وإحياء السنن الميِّتة، وإماتة البدع والمنكرات؛ فقد أوصى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما في مَسير سعد إلى غزو الفرس، فقال:
(أما بعد؛ فإني آمُرُك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضلُ العدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوبَ الجيش أخوَفُ عليهم من عدوهم، وإنما يُنصَر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددِهم، ولا عُدَّتنا كعُدَّتهم، فإن استوَيْنا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنصَرْ عليهم بفضلنا لم نَغلبهم بقوتنا، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدوَّنا شر منَّا فلن يسلَّط علينا، فرُبَّ قومٍ سُلِّط عليهم شر منهم، كما سُلِّط على بني إسرائيل - لما عمِلوا بمساخط الله - كفارُ المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا مفعولًا، اسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم، أسألُ الله ذلك لنا ولكم)[ فقه السنة، ج11، ص 102 والوصايا الخالدة؛ د. عبدالبديع صقر، ص 43، مكتبة وهبة، وسورة الأنفال تفسير موضوعي؛ د. علي جريشة، ص 39] ما أعظمَها من وصية! فقد عمِل بها الصحابة رضي الله عنهم، ففتح الله عليهم البلاد وقلوب العباد، ونصرهم الله تعالى على أعدائهم، لا بعددهم وعتادهم، ولكن بتقواهم لله عز وجل واجتنابهم المعاصي، وجاء في المستطرف:
(وأفضل العُدَّة أن تقدِّم بين يدي اللقاء عملًا صالحًا؛ من صدقة، وصيام، وردِّ المظالم، وصلة الأرحام، ودعاء مخلص، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وأمثال ذلك، والشأن كل الشأن في استجادة القواد، وانتخاب الأمراء، وأصحاب الأَلْوية، فقد قالت حكماء العجم: أسدٌ يقودُ ألف ثعلب خيرٌ مِن ثعلب يقود ألف أسد، فلا ينبغي أن يَقْدُمَ الجيشَ إلا الرجلُ ذو البسالة والنجدة، والشجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممَّن قد توسَّط الحروب، ومارَس الرجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، وكان عظماء الترك يقولون: ينبغي للعاقل العظيم للقياد أن يكون فيه عدَّة أخلاق من البهائم؛ شجاعة الديك، وبحث الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وصبر الكلب على الجراح، وغارة الذئب) [ المستطرف في كل فن مستظرف، ص 228.
ومِن هنا يتبين أن الصحابة رضي الله عنهم - ومَن بعدهم ممن فتحوا البلاد شرقًا وغربًا، وأسقطوا دولتَي الفرس والرومان - قد تحلَّوا بأكمل صفات الإيمان والشجاعة، حتى شهِد لهم الأعداء بالجدارة في كل شيء، فمما جاء في ذلك:
(أن هرقل - وهو على أنطاكية - لما قدِمَتِ الرومُ مُنهزمةً، قال: ويلكم، أخبِروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشرًا مثلكم؟! قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم؟ فقالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافًا في كل موطن، قال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ مِن عظمائهم: من أجلِ أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويُوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، ويَنْهَون عن المنكر، ويتناصفون بينهم (ينصف بعضهم بعضًا)، ومِن أجل أنَّا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد ونظلم، ونأمر بالسخط، ونفسد في الأرض، فقال: أنتَ صدقتَني)[ البداية والنهاية؛ لابن كثير، ط، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط/ 1، 1418 هـ - 1997م، (9/ 569)] كانوا رهبانًا بالليل وفرسانًا بالنهار، يتناصفون ويعدلون، ويوفون ويَصْدُقون، من أجلِ ذلك قاتَلوا مُقبِلين غير مدبِرين، يحرصون على الموت بقدر ما يحرص عدوهم على الحياة، ينتظرون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة؛ من أجلِ ذلك هابهم أعداؤهم وأكبَروهم، جاء في المستطرف أنه:
(دارَتْ حربٌ بين المسلمين والكفار، ثم افترقوا، فوجدوا في المعترك قطعة خوذة قدر الثُّلُث بما حوته من الرأس، فقالوا: إنه لم يُرَ قط ضربة أقوى منها، ولم يُسمع بمثله في جاهلية ولا إسلام، فحملتها الروم وعلقتها في كنيسة لهم، فكانوا إذا عيِّروا بانهزامهم، يقولون: لقينا أقوامًا هذا ضربهم، فيرحل أبطال الروم
إليها ليروها)[ المستطرف في كل فن مستظرف، ص 227]
يا ترى هل يعود المسلمون إلى ما كان عليه أسلافهم؟ وهل يستجيبون لنداء الحياة والعزة والكرامة؟ وهل يعود المجد التليد؟! نعم، بالإعداد.
إن إعداد العدة هو الضمان الوحيد لمنع فتنةِ المسلمين في دينهم، ودفع أذى المشركين عنهم، كما أنه واجبٌ حتميٌّ لحماية الدولة مِن هجمات المعتدِين، وهو أيضًا ضرورةٌ لحماية الدعوة والدعاة والمدعوِّين، فحماية الدعوة يعني إزالةَ المُعوِّقات من طريقها؛ كي تنطلق وتصل إلى مسامع الناس واضحةً جليَّة، وحماية الدعاة يعني منع الأذى والاضطهاد عنهم، حتى يتمكَّنوا من عرض الإسلام كله، لا أن يتكلموا في المسموح به - والذي لا يحدث صدامًا أو اعتراضًا من أعداء الدعوة - ويتركوا ما يُغضِب هؤلاء أو ما من شأنه جلب المتاعب والمضايقات، وأسوة الدعاة في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ بالصعب وبالأهم، لقد بدأ بما أغاظ الكفار وأثار عداوتهم، لما قال لهم: ((قولوا: لا إله إلا الله))، قالوا له: تبًّا لك سائر اليوم، واستمرَّ في دعوته ولم يَقبَل المساومات ولا الحلول الوسط؛ كما هو مبسوط في القرآن الكريم، وكما في قوله: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 1 - 6].
الأنترنت – موقع الألوكة - إعداد المستطاع من القوة -د. أمين الدميري
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.