أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والأربعون بعد المائــــــــــــة في موضــــوع القوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*إعداد المستطاع من القوة :

قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].

هذا أمرٌ مِن الله تعالى، ووصية عامة باقية للمؤمنين بإعداد العدة اللازمة والممكنة حسب الاستطاعة؛ وذلك لتحقيق قوَّة الردع الكافية لتخويفِ العدو ومنعه من الاعتداء على المسلمين؛ فلقد كان المسلمون في مكةَ على حق، وعدوُّهم على باطل، لكنَّ الكلمة والسطوة كانت للمشركين؛ لأنهم كانوا أقوياء والمسلمون ضعفاء ليست لديهم قوة، ومن هنا فإن الحقَّ لا يعلو إلا بالقوة، وإحقاق الحق وإبطال الباطل لا يكون إلا بالقوة وأسبابها، وهي سُنة الله تعالى وحكمته، فلو شاء أن يُهلِك الباطلَ وأهله ويدفعه فإذا هو زاهق في لحظة بسبب وبغير سبب، لفَعَلَ، ولكنها سُنة الابتلاء، وحكمة الاختبار؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4].

ولهذا اقتَضَتْ حكمة أحكم الحاكمين أن يفرض القتال لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وتمييز الخبيث من

الطيب، وليذهب مَن قُتل مِن المشركين إلى الجحيم، وليذهب مَن قُتل مِن المسلمين إلى النعيم.

فالأمر في الآية الكريمة ﴿ وَأَعِدُّوا ﴾ على الوجوب، لكنْ على قدر الاستطاعة، يقول الإمام الرازي: (وهذه الآية تدلُّ على أن الاستعداد للجهاد بالنبل والسلاح وتعليم الفروسية والرمي - فريضةٌ، ثم ذكر تعالى ما لأجلِه أمَر بإعداد هذه الأشياء، فقال: ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]؛ وذلك أن الكفار إذا علِموا كون المسلمين متأهِّبين للجهاد ومستعدِّين له، ممتلكين لجميع الأسلحة والآلات، خافوهم، وذلك الخوف يفيد أمورًا كثيرة:

1- أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.

2- أنه إذا اشتد خوفُهم فربما التزموا مِن عند أنفسهم جزية.

3- ربما صار ذلك داعيًا لهم للإيمان.

4- لا يعينون سائر الكفار.

5- أن يصير ذلك سببًا لمزيد الزينة في دار الإسلام.

ثم قال تعالى: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، والمراد أن تكثيرَ آلات الجهاد وأدواتها كما يُرهب الأعداءَ الذين نعلم كونهم أعداءً، كذلك يُرهب الأعداءَ الذين لا نعلم أنهم أعداء)[ مفاتيح الغيب؛ الرازي، المجلد الخامس، دار الفكر، ج15، ص 192]

ومن ناحية أخرى، فإن المسلمين إذا كانوا أقوياء، وتحققت لهم الغلبة، فإن عامة الناس يكونون لهم تابعين، ويدخلون في الإسلام راغبين غير خائفين؛ ذلك لأن البشر مجبولون على الاقتداء بالغالب، والإعجابِ بالقوي، يقول ابن خلدون:

(إن النفس الإنسانية أبدًا تعتقدُ الكمال فيمَن غلبها وانقادت إليه؛ ولذلك ترى المغلوب يتشبَّه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه، في اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم، وانظر إلى كل قطرٍ مِن الأقطار كيف يغلب على أهله زيُّ الحامية وجند السلطان في الأكثر؛ لأنهم الغالبون لهم، حتى إنه إذا كانت أمة تجاورُ أخرى ولها الغلبة عليها، فيَسْرِي إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظٌّ كبير، ثم تأمَّل في هذا سر قولهم: العامة على دِين الملِك، فإنه من بابه؛ إذِ الملك غالب لمن تحت يده، والرعية مقتدون به؛ لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم، والمتعلمين بمعلميهم، والله العليم الحكيم)[ مقدمة ابن خلدون، ص 160]

ومِن هنا نُدرِك السرَّ في تشبُّه كثير ممَّن ينتسبون إلى الإسلام بالمشركين في الغرب أو في الشرق؛ لأنهم أقوياء ومتقدمون علميًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا؛ ذلك لأن المسلمين غارقون في التخلف؛ لأنهم ترَكوا أمر الله تعالى بالإعداد، والأخذ بأسباب القوة، فصاروا في مؤخرة الرَّكْب، ولو أنهم استجابوا لنداء الحياة، وإحياء روح الجهاد، وإعداد جميع أنواع القوة التي يقدرون عليها - لتغيَّر الحال، وإن المسلمين يملكون من أسباب القوة ما لا يملكه غيرُهم، ولكنهم تعوَّدوا على الكسل، والاعتماد على أعدائهم والتَّبَعية لهم، وقد أعلنوا عجزهم أمام الآخر واستسلموا له واستعطفوه ليمُنَّ عليهم بالغذاء وبالمعونات، وغير ذلك.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.