أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الرابعة والعشرون بعد المائة في موضــــوع القوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قدرة الله تعالى :
رزق الإنسان العقل، وسخر له الخلق، وأمره بحمل الأمانة وعمارة الأرض، وإقامة الدين له تعالى؛ فآمن
أقوام، وكفر آخرون؛ فكان الاختلاف والاحتراب على الأرض بين الإيمان والكفر، بين الهدى والضلال، بين الحق والباطل قائمًا إلى قيام الساعة.
وقد أخبرنا أنه تعالى ينصر المؤمنين، ويُهلك المكذبين. من أغرق فرعون وجنده؟ ومن أرسل الريح على عاد وقومه؟ ومن أهلك ثمودَ بالصيحة؟ ومن خسف بقارون وداره؟ ومن دمّر جموعًا من المعاندين؟ ومن نصر أولياءه المؤمنين، وأظهر عباده المتقين؟ إنه الله تعالى وهو على كل شيء قدير.
لقد حذرنا سبحانه وتعالى من التمرد والعصيان، وأبان لنا عاقبة ذلك، وضرب لنا الأمثال بمن خَلَوْا
قبلنا، وأوضح لنا أنه على كل شيء قدير، فقال في المكذبين ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 95]، وقال في المنافقين: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20].
إنه تعالى حذّرنا من عاقبة القعود عن نصرة الدين مهما كانت التبعات والتضحيات، وإذا قصرنا فهو
قادر على أن يبدلنا بخير منا ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [المعارج: 40 -41]، ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133].
وما نعمل من طاعات تنفعنا ولا تنفعه تعالى، وما نقارف من عصيان يضرنا ولا يضر الله تعالى شيئًا.
ولما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا من العرب فتثاقلوا عنه أمسك الله عز وجل عنهم القطر فكان عذابهم[3] ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39]، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يملك النفع والضر مهما بلغ؛ بل ذلك بيد الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 17 - 18].
إن البشر يشاهدون قدرة الله تعالى وقوته في الإهلاك والعذاب، ولا يملكون حيالها شيئًا مع كل ما
وصلوا إليه من علوم وصناعات.
يأمر الله تعالى الريح فتأتي تدمر ما أمرت به؛ تقتلع الأشجار، وتهدم البيوت، وتهلك من شاء الله تعالى لا يملك البشر لها دفعًا. ويأتي الفيضان بأمر الله تعالى فيغرق المدن ومن فيها، والزلزلة آية أخرى من آيات قدرته تعالى، يسوي الله تعالى بها مدنًا بالأرض في أقل من ثانية، فأين هي قوة البشر وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟ هل دفعت لله أمرًا؟ أو منعت عذابًا؟ أو عطلت قدره؟! كلا؛ بل ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلاق: 12].
أيها الإخوة: إن المؤمن الحق لا يغتر بجاهه أو ماله أو قدرته، ويتبرأ من حوله وقوته، ويسأل الله الإعانة في أموره؛ فقدرته تعالى نافذة، فإذا سمع المؤمن المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، كأنه يقول: هذا الذي تدعوني إليه وهو الصلاة والفلاح أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته[5]. إنه يطلب الإعانة من الله تعالى حتى في أمور دينه.
وإذا حار بين أمرين لا يدري ما الخير له فيهما استخار الله تعالى وسأله بقدرته وعلمه أن يختار له الأحسن فقال: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب))
وإذا شكا وجعًا وألمًا علم أن الله تعالى قادر على أن يذهب وجعه، وأن يسكن ألمه؛ فيضع يده على مكان الوجع ويقول: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".
إن من قوي إيمانه بالله تعالى قوي يقنه بقدرة الله تعالى وقوته؛ فلا يعظم ولا يخاف إلا الله تعالى. لا يعظم مخلوقًا كتعظيم الله تعالى مهما كان له من
الإنجازات والعطاءات، ومهما شاهد من قدرته وقوته؛ لأنه يعلم أن الله تعالى أقوى وأقدر.
ومن كان كذلك فإنه لا يظلم العباد؛ لأنه إن رأى قدرته فوق قدرتهم علم أن قدرة الله تعالى فوق قدرته،وهو كذلك لا يخاف الظلمة والمتسلطين؛ لأنه إن رأى أن قدرتهم فوق قدرته علم أن قدرة الله تعالى فوق قدرتهم.
والمؤمن مأمور دائمًا أن يتذكر قدرة الله تعالى وقوته في كل أحواله وشؤونه؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: ((ألا أدلك على كلمة من تحت العرش، من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم))؛ أخرجه الحاكم بإسناد صحيح.
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واطلبوا منه العون في الأمور كلها، وتبرؤوا من حولكم وقوتكم، ولوذوا بحمى من هو على كل شيء قدير.[ الأنترنت – موقع الألوكة - خطبة جمعة بعنوان : قدرة الله تعالى - الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.