أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثالثة بعد المائة في موضــــوع القـــــوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حقيقة الإيمان القوي
والآن ما هو الإيمان، وما هي حقيقته؟
الإيمان هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار، والإذعان للأحكام.
فلا يكفي في تحقيق الإيمان المعرفة وحدها، أو التصديق القلبي فقط؛ فلو أن رجلاً أقر بالله تعالى وبصحة نبوة محمد ﷺ ولكنه لم يقبل ويستسلم لما بلغه من أحكام الإسلام فإنه كافر وليس بمؤمن.
لأجل ذلك قال الله تعالى عن الكفار من أهل الكتاب: }الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{ [الأنعام:
وعلى ذلك فالإيمان إقرار بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأعمال
الجوارح تبع لأعمال القلب، والإيمان يزيد حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه.
والإنسان يجد ذلك من نفسه فتارة تدمع العين من تلاوة آية واحدة، وتارة لا تدمع ولو طالت القراءة. وكذلك عندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة فإنه
يزداد إيمانه ويشعر بإقبال على الخير، وعندما توجد الغفلة يخف ذلك اليقين في قلبه والإقبال.
وقد جاء في القرآن ما يثبت أن الإيمان يزيد وينقص، قال تعالى: }وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا{ [المدثر:
وقال تعالى: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة: 124].
قال الشافعي رحمه الله: «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان
قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر» نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى.
بينما هناك من يخطئ خطأً فاحشًا فيعتقد أن الإيمان هو التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان. وذلك هو في الأصل فكر الإرجاء الذي ما زال يفتك بالأمة، والذي يقوم على مبدأ أن الإيمان الذي في القلب لا تؤثر فيه المعاصي ولا تنقص منه، وأن العمل الصالح ليس شرطًا في صحة الإيمان، ومن صوره الواقعية في العصر الحاضر تبرير العاصي لمعصيته ودفع اللوم عنه بقوله: «الإيمان في القلب، والمهم هو عقيدة القلب وإيمانه»، والبعض يقول: «دينك في قلبك»؛ فيفصلون بين الإيمان الذي في القلب – بزعمهم – وبين العمل الظاهر وأنه لا ارتباط بينهما في الزيادة والنقص أو الوجود والعدم.
وفي ذلك إلغاء لمظهر الدين والشرع، وإسراع في إزاحة الدين عن الواقع والحياة، وغسل كل أثر طيب من آثار الإيمان ونفحاته، كما أن الانتماء إلى الفكر الإرجائي يشجع على الاسترسال في المعاصي والجرأة على المحرمات، بحجة أنها لا تضر الإيمان الذي في القلب.
قال الزهري: «ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهلها من الإرجاء».
وقال شريك القاضي عن المرجئة: «هم أخبث قوم، حسبك بالرافضة خبثًا، ولكن المرجئة يكذبون على الله».
وهنا سؤالٌ مهم جدًا:
ما هو الإيمان الذي يعصم صاحبه من عذاب الله تعالى؟
الجواب: ذلك هو الإيمان الواجب الذي يمنع صاحبه من التقصير في الواجبات، والوقوع في المحرمات على وجه الإصرار والاستهانة. لذلك جاءت النصوص بنفي الإيمان عن أهل الكبائر، ويراد بها انتفاء الإيمان الواجب ولا يُراد به انتفاء الإيمان كله، كما في حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...»[ البخاري: كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه. وحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له» ] [مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين، باب مسند أنس بن مالك رضي الله عنه.] ولعظم مكانة المؤمن عند ربه فلقد خصه الله جل وعلا بفضائل كبيرة في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر وأعظم.
1- معية الله تعالى للمؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ{ [النحل: 128]. فهو معهم بالرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد وغير ذلك. 2- الدفاع عن المؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الحج: 38]، فيحفظهم من شر الأشرار وكيد الفجار بتأييده ونصره }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{ [الروم: 47].
3- تسديد المؤمن وتوفيقه للهداية: قال تعالى: }اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{ [البقرة: 257]، أي يخرجهم من الضلالة إلى الهداية ومن الجهالة إلى الرشد.
4- وأما منزلة المؤمن في الآخرة: فهو رضوان الله وجناته ورؤية وجهه الكريم، والأنس باستماع كلامه. وحسبنا أن نورد ما أخبر به النبي ﷺ في بيان منزلة المؤمن في الآخرة: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بل والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين»[ البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.] قال تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [التوبة: 72].
ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.