أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والتسعـون في موضــــوع القـــــوي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوَّة في الدِّين.. كيف نراها واقعاً في حياتنا.. :
المتأمل في التاريخ يجدُ أنَّه ما من دينٍ ظهَر وانتشر –سواءً أكان حقَّاً أم باطلاً- إلاَّ كان وراءه فئة
تؤمن به، وتعمل له، وتمتثله واقعاً في حياتها؛ ليقوم ذلك الدِّين على أكتافهم، وليكونوا أنموذجاً واضحاً
لأتباعه؛ يسترشدون بهم، ويطمئنُّون من جهة تطبيق ذلك الدِّين وتحقيقه.
ولذلك.. عندما أنزل الله عزَّ وجل دينه في هذه الأرض بشرائعه المختلفة، جعل لكلِّ شريعة من الشرائع رسولاً كريماً يبلِّغ ويكون قدوة، وفئة تؤمن وتعمل وتمتثل؛ لتكون عاملةً على إظهار دينها شيئاً فشيئاً، دالَّةً على صحَّته وإمكان تطبيقه، وتهيئة فئات تحمل همَّ هذا الدِّين والعمل له..
ولكن.. عندما يدبُّ الضَّعف في تلك الفئة المؤمنة العاملة -على اختلاف أزمانها- سواءً من جهة العلم أو العمل، فإنَّ ذلك الضَّعف ينعكس تلقائياً على ظهور ذلك الدِّين وأتباعه..حتى يضمر أو يتلاشى.
وكان من حكمة الله عزَّ وجل أنْ جعل في هذه الأمَّة المحمديَّة، والشريعة الخالدة الأبديَّة، فئة تؤمن بدينه، وتعمل له، وتمتثله واقعاً عملياً في حياتها ما دام هذا الدِّين في الأرض، لا يعتريهم الضَّعف، ولا يسيطر عليهم اليأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) [رواه البخاري في صحيحه كتاب المناقب، باب "سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر"، (ح3369).]
وقد دلَّ الحديث على أنَّ هذه الطائفة القائمة بأمر الله عزَّ وجل قد تمَّ حفظها من ضرَرَيْن:
أولاً: حفظها من ضرر الخذلان.
وثانياً: حفظها من ضرر المخالفة. والفرق بينهما: أنَّ الخذلان ما كان من داخل الصفِّ..!، والمخالفة ما كان من خارجه [ انظر: فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله (28/416).]
، وهذان هما الخطران المحدقان بكلِّ دين أو مذهب يُراد له الظهور والانتشار..
وما كان لهذه الطائفة المؤمنة أن تبقى قائمةً بأمر الله عزَّ وجل، صامدةً في وجه طوفان المخاطر الداخليَّة والخارجيَّة سوى أنها كانت قويَّةً في دين الله عزَّ وجل أخذاً وعطاءً، تلقياً وأداءً، علماً وعملاً، شريعة ونَهْجاً..هذا هو الأمر الذي حفظها من حَنَق المخالفين، وخَوَر المخذِّلين المرجفين. ولولا تلك القوَّة الدينيَّة وما تُمْليه من وضوحٍ في التصوُّر والاعتقاد، وحزمٍ في التمسُّك والامتثال، وجديَّةٍ في السلوك والعمل..، لانحلَّت تلك الطائفة عند أدنى مؤامرة أو اعتداء، ولكانت تعيش تشتُّتاً في الأمر، وهواناً في العزم، ولما بقيت تقوم لله عزَّ وجل بحجَّة..
ولذا.. لما كان مدار الصُّمود والبقاء على القوَّة في الدِّين، أَمَر الله عزَّ وجل بها أنبياءه وأقوامهم، فقال تعالى لموسى عليه السلام {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] وقال لبني إسرائيل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]، وَوصَف الله عزَّ وجل بها نبيَّه داود عليه السلام فقال: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] أي ذا القوة في الدِّين، بل خاطب الله بها يحيى عليه السلام منذ أن كان في المهد صبياً {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] لينشأ ذلك الصبي وهو ابن ثلاث سنين كما في قول ابن عباس رضي الله عنه[ انظر: تفسير
البغوي (5/121).]..على معاني القوَّة والجدِّ والعزم في أخذ الدِّين والتمسُّك به.
إن الأمَّة اليوم بحاجةٍ شديدةٍ إلى استجماع معاني القوَّة في أفرادها؛ ليسعدوا بدينهم، ويُؤدوا حقَّ الله عزَّ وجل فيهم. والناظر في كلام ربِّه سبحانه وتعالى لا تكاد تخطئُ عينه صورتان اثنتان من صور القوَّة في الدِّين لا تتحقق القوَّة إلا بهما:
الأولى: القوَّة في الأخذ والتمسُّك والعمل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171] .
والثانية: القوَّة في الإعداد والمواجهة والمدافعة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
إنَّ الأمَّة بحاجةٍ إلى المؤمن القويِّ في عقيدته.. القويِّ في عبادته..القويِّ في تعلُّمه..القويِّ في دعوته....القويِّ في دفاعه..القويِّ في صَدْعه بالحقِّ ووقوفه أمام سَيْل الشُّبهات والشَّهوات، والفتن والمغريات.. إذا تكلَّم كان قويَّاً واثقاً، وإن ناقش كان قويَّاً واضحاً، وإذا عَمِل كان قويَّاً ثابتاً، يأخذ تعاليم دينه بقوَّة، وينقلها إلى غيره بقوَّة، ويتحرَّك ويدعو في مجتمعه بقوَّة..لا وَهَن ولا تميُّع.. ولا ضعْف ولا تصنُّع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..)) [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في "الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وترك المقادير لله" (ح4816).]
ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.