أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والسبعـون في موضــــوع القـــــوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

يقول عبد الواحد المراكشي، في شأن إنقاذ يوسف بن تاشفين وأصحابه للأندلس، بعد أن كاد ملوك الطوائف المتخاذلين يسلمونها للأعداء، بما فيهم المعتمد بن عباد، قال: لم يزل أصحاب يوسف بن تاشفين يطوون تلك الممالك مملكة مملكة، إلى أن دانت لهم الجزيرة بأجمعها، فأظهروا في أول أمرهم من النكاية في العدو والدفاع عن المسلمين وحماية الثغور؛ ما صدق بهم الظنون، وأثلج الصدور، وأقر العيون، فزاد حب الأندلس لهم، واشتد خوف ملوك الروم منهم، ويوسف بن تاشفين في ذلك كله يمدهم في كل ساعة بالجيوش بعد الجيوش، والخيل إثر الخيل.

ويقول في كل مجلس من مجالسه: إنما كان غرضنا من ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلاءهم على أكثرها، وغفلة ملوكهم، وإهمالهم للغزو، وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة، وإنما همة أحدهم كأس يشربها، وقينة تُسمعه، ولهو يقطع به أيامه، ولئن عشت لأعيدن جميع البلاد التي ملكها الروم في طول هذه الفتنة إلى المسلمين، ولأملانها عليهم (يعني الروم) خيلًا ورجالًا لا عهد لهم بالدعة، ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما همة أحدهم فرس يروضه ويستنفره، أو سلاح يستجيده، أو صريخ يلبي دعوته.

في أمثال لهذا القول؛ فيبلغ ذلك ملوك النصارى فيزداد فرقهم، ويقوى، مما بأيدي المسلمين؛ بل مما بأيديهم، يأسُهم.

وحين ملك يوسف أمير المسلمين جزيرة الأندلس وأطاعته بأسرها، ولم يختلف عليه شيء منها عد من يومئذ في جملة الملوك، واستحق اسم السلطة، وتسمى هو وأصحابه بالمرابطين، وصار هو وابنه معدودين في أكابر الملوك، ونفس هذه الروح العسكرية كانت لعبد المؤمن، مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، يحكي لنا عبد الواحد المراكشي ذلك حيث يقول: وكان عبد المؤمن في نفسه سري الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية، لا يرضى إلا بمعالي الأمور. أخبرني الفقيه المتفنن أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أبي جعفر الوزير عن أبيه عن جده الوزير أبي جعفر قال: دخلت على عبد المؤمن وهو في بستان له، قد أينعت ثماره، وتفتحت أزهاره، وتجاوبت على أغصانها أطياره، وتكامل من كل جهة حسنه، وهو قاعد في قبة مشرفة على البستان، فسلمت وجلست، وجعلت أنظر يمنة وشأمة، متعجبًا مما أرى من حسن ذلك البستان، فقال لي: يا أبا جعفر، أراك كثير النظر إلى هذا البستان، فقلت: يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، والله، إن هذا المنظر حسن، فقال: يا أبا جعفر، المنظر الحسن هذا؟ قلت: نعم، فسكت عني.

فلما كان بعد يومين أو ثلاثة أمر بعرض العسكر آخذي أسلحتهم، وجلس في مكان مطل، وجعلت العساكر تمر عليه قبيلة بعد قبيلة، وكتيبة إثر كتيبة، لا تمر كتيبة إلا والتي بعدها أحسن منها؛ جودة سلاح، وفراهة خيل، وظهور قوة، فلما رأى ذلك، التفت إلي وقال: يا أبا جعفر، هذا هو المنظر الحسن، لا ثمارك وأشجارك، ولم يزل عبد المؤمن يطوي الممالك مملكة مملكة، ويدوخ البلاد، إلى أن دانت له البلاد وأطاعته العباد[ المعجب في تلخيص أخبار المغرب، للمراكشي، ص123.]

وهكذا كان الشأن في الشرق أيام صلاح الدين، الذي استنقذ البلاد من الصليبيين، وأيام الخلافة العثمانية وتوغلهم في تخوم أوربا، ولكن دار الزمان دورته، فرجحت في الوزن الدولي كفة أقوام وشالت كفة الآخرين، طبق ما نطق به الذكر الحكيم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].

ورغم أن الحق منصور من داخله بأدلته وبراهينه، فلا بد له من قوة خارجية، لا لكي يفرض ‏بها نفسه على الناس، وإنما يحتاج إليها لأمرين: الأول: لكي تدافع عنه ضد عدوان المعتدين، وصيال ‏الصائلين، الذين ختم الله تعالى على قلوبهم، وأصبح نهجهم العناد والمكابرة، والعدوان على المخالفين.

الثاني: جهاد الطغاة الظالمين، الذين يصدون الناس بما لديهم من سلطان وقوة عن الاستجابة ‏للنداء

الحق، ويصرفونهم عن اتباعه، ويجبرونهم جبرًا وقسرًا على البقاء على دينهم الفاسد، وعدم الإقبال ‏على

الدين الحق، ولأجل تلك الحقيقة شرع الله تعالى الجهاد.‏

 [ الأنترنت – موقع تيار الإصلاح - الدعوة والقوة - الكاتب : تيار الاصلاح ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.