أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة التاسعة والستــون في موضــــوع القـــــوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة

المعنوية والحجج والبراهين، فإن أي دعوة إذا لم يكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25]، وكذلك قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:81].

قال قتادة فيها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم.

قال ابن كثير: وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه[ تفسير ابن كثير (3/64).]

قال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل:125]: «جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي، الذي لا يعاند الحق ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن»[ مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/153).] والنص يقول: {وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ} بوصفهم وحدة، وبوصف الكتاب وحدة كذلك، إشارة إلى وحدة الرسالة في جوهرها، {وَالْمِيزانَ} مع الكتاب، فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانًا ثابتًا ترجع إليه البشرية؛ لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع، ميزانًا لا يحابي أحدًا؛ لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد؛ لأن الله رب الجميع.

هذا الميزان الذي أنزله الله في الرسالة هو الضمان الوحيد للبشرية من العواصف والزلازل والاضطرابات، والخلخلة التي تحيق بها في معترك الأهواء ومضطرب العواطف، ومصطخب المنافسة وحب الذات، فلا بد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر، فيجدون عنده الحق والعدل والنصفة بلا محاباة، {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، فبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله وشريعته لا يهتدي الناس إلى العدل، وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه، وهي تضطرب في مهب الجهالات والأهواء! {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[ في ظلال القرآن، سيد قطب (الحديد:25).]

قال العتبي: كان يختلج في صدري أن في الجمع بين الكتاب والميزان والحديد تنافرًا، وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وينقع الغلة، حتى أعملت التفكر، فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يتضمن جوامع الأحكام والحدود، وقد حظر فيه التعادي والتظالم، ودفع التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآلة، فلذا جمع {الْكِتابَ وَالْمِيزانَ}، وإنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف، وجذوة عقابه، وعذاب عذابه، وهو الحديد الذي وصفه الله

بالبأس الشديد.

فجمع بالقول الوجيز، معاني كثيرة الشعوب، متدانية الجنوب، محكمة المطالع، مقومة المبادئ والمقاطع.

قال القاسمي: لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم والعمل، ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الإنسان مدني بالطبع،

محتاج إلى التعامل والتعاون، لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع، والنفوس إما خيّرة أحرار بالطبع، منقادة للشرع، وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع، فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال، والعمل بالعدالة واللطف وسياسة الشرع، والثانية لا بد لها من القهر وسياسة الملك[ محاسن التأويل، للقاسمي (2/417).]

فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد؛ ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا، يعني السيف، من عدل عن هذا، يعني المصحف[ مجموع الفتاوى (28/263).]

فإن السيوف عز لأهلها وسلطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»[رواه أحمد (5114).].، فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز الإسلام وظهر في مشارق الأرض ومغاربها.

والسيف من أعظم ما يعتمد في الحرب عليه، ويرهب به العدو، وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين، والذمي ليس من أهل حمله والعز به.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.