أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثامنة والستــون في موضــــوع القـــــوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذا الكون دون سائر خلقه؛ لما حباه الله من تفضيل وتكريم عليهم، وزوده بالعقل والتفكير الذي يمكنه من السيادة على الكون، وتسخير ما فيه من قوى طبيعية، وثروات وإمكانيات، من أجل خدمته وراحته ومنفعته وتقدمه ورقيه، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

وقد بينت الآية أن الناس ثلاثة أصناف، وكلُّ واحدٍ من الكتاب والميزان والحديد علاجُ قومٍ؛ فالخواص أهل القريحة النافذة والفطنة القوية، الخالية بواطنهم من التقليد والتعصب، فهؤلاء علاجهم بالميزان، وهو ما رسمه القرآن في الجدل الإبراهيمي الذي فيه الحجة البالغة.

والعامة الذين ليس لهم فطنة لفهم الحقائق، وإن كانت لهم فطنة فطرية، فليس فيهم داعية الطلب ولا داعية الجدل، وهؤلاء ليس الخوض في الخلافات

من عشهم، فهؤلاء لهم الاعتقاد، وما في الكتاب من أصول وفروع، من غير أن يشغلوا أنفسهم بمواقع الخلاف، ويكفيهم معرفة الفرائض، وما اتفقت عليه الأمة من الحلال والحرام.

ومن هؤلاء قوم هم أهل الجدل، فيرى الغزالي علاجهم بالتلطف إلى الحق، من غير تعصب عليهم أو

تعنيف لهم، وإنما يعالجون بما قال الله سبحانه: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

وبقي الحديد الذي فيه بأس شديد، وهو علاج الصنف الثالث، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله[داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب، ص33.]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط؛ وليعلم الله من ينصره ورسله، ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31][ مجموع فتاوى ابن تيمية (10/13).]، وقال: فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه؛ كالسيف والسنان والنصل، وما أشبه ذلك الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»[ المصدر السابق (12/253).]

فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر؛ {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب، الذي هو القرآن، وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء»، وقالوا في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، أقوال العلماء والأمراء.

فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، وينشر به الهدى، ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، ولقد أحسن من قال في مثل هذا:

وما هو إلاَّ الوحي أو حد مرهف  ***     تزيل ضـباه أخـدعي كـل مائل

فهـذا شفـاء للقـلوب مـن الـعمى   ***    وهذا شفاء العي من كل جاهل

فالعاقل ذو الفطرة السليمة ينتفع بالبينة، ويقبل الحق بدليله، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.