أسمـــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الرابعة والستــون في موضــــوع القـــــوي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : زاد الصابرين!!

3. صبر أعدائك يُعدي :

أعداء دينك لا ينامون ، بل يصبرون ويحتملون في سبيل الباطل ما لا تحتمله أنت في سبيل الحق ، والله إن المرء ليستحي أن يكسل في جنب الله

حين يسمع عن بطل رياضي يعاني الأعوام الطوال ويُتعِب نفسه منذ نعومة أظفاره ليفوز في النهاية بميدالية الذهب ، وتُسلَّط عليه الأضواء ، وتُغدق عليه الأموال ، مع أنه سيكبر يوما وينصرف الناس عنه ، بل ويموت وينساه كل من كان محتفيا به بالأمس ، ويترك كل ما جمع ويرحل تحت التراب ، فكيف لا تصبر أنت يا طالب ذهب الآخرة؟! ألا تريد أن تُسلَّط عليك الأضواء هناك وأنت متكئ على أريكة لك في الفردوس؟! ألا تطمع أن تُغدق عليك اللذات وأنت مستلق في قصر من قصورك في جنات عدن؟! ألا تتعب قليلا لتستريح طويلا .. هناك في خلد لا تذوق فيه الموت بل لا تسمع حتى مرادفات أو مشتقات كلمة (موت) .. واعجبا من خاطب دنيا يتعب وطالب آخرة ينام ، واحسرتاه على طالب رضا البشر وغافل عن رضا ربِّ البشر.

عن عمر بن عثمان المكي قال : " لقد وبَّخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار أنهم قالوا :

 ﴿ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ ص : 6 ] ، فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من

المؤمنين على دينه " .

إن مقارنة المريض لصبره على الطاعات بصبر غيره من موتى القلوب على الباطل يبعث في القلب الحياة ، وانظروا إلى خلف بن أيوب وكان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة ، فقيل له : كيف تصبر؟! فقال : " بلغني أن الفساق يتصبَّرون تحت السياط ليقال فلان صبور ، وأنا بين يدي ربي ؛ أفلا أصبر على ذباب يقع عليَّ؟!" .

بل واسمعوا صبر أهل الدنيا يا أصحاب الآخرة واقرؤوا خبر أبي الهيثم خالد الحدَّاد ، وكان يُضرَب المثل بصبره. قال له المُتوكِّل يوما : ما بلغ من جَلَدِك؟ قال : املأ لي جرابي عقارب ، ثم أُدخِل يدي فيه ، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك ، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ، ولو وُضِعت في فمي خرقة وأنا أُضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ، ولكنني وطَّنت نفسي على الصبر ، فقال له الفتح : ويحك!! مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل ، فقال : " أحب الرياسة " .

ولماذا أمثلة الماضي والحاضر بين أيدينا ينطق ويشهد ، وأهل اللهو في لهوهم من أهل الغناء والفن الهدام يفتخرون أنهم يصلون الليل والنهار ويهجرون الراحة ويعانقون التعب في أوقات كثيرة ليجنوا حصاد أعمالهم : سيئات تلطِّخ الصحائف وتورث اللعنات وتُصليهم جهنم وبئس المهاد ، فلماذا لا نصل نحن -أهل الحق- الليل بالنهار ونهجر الراحة ونعانق التعب لنجني حصائد أعمالنا : حسنات تُشرِق على صحائفنا وتثقِّل موازيننا وتورثنا اللذة الأبدية والنعيم الذي لا يبيد.

4. جهاد النفس : إن النفس البشرية بطبيعتها تحب الراحة والكسل والدعة وتنفر من البذل والاجتهاد والعطاء ، فهي الآمرة بالسوء الناهية عن الخير ،

وهي الحقيقة التي قرَّرها رب العزة والجلال بقوله ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [ يوسف : 53[

لذا كانت مخالفتها نوعًا من أنواع الموت الدامي! قال حاتم الأصم : " الموت الأحمر : مخالفة النفس " .

لذا عبَّر النبي  عن هذه المخالفة بأقوى الألفاظ وأشدها وهو لفظ الجهاد فقال : « والمجاهد :

من جاهد نفسه في الله » .

وقال عز وجل : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [ الحج : 78 [. قال ابن المبارك في تفسيرها : " هو جهاد النفس والهوى " .

أما أن تطيع نفسك في كل ما تأمرك به ، وتنتهي عن كل خير تنهاك عنه ، فليس هذا من الجهاد فضلا عن الرجولة في شيء.

نعم الأمر صعب وشاق .. ليس في هذا شك ، لكن في المقابل تؤنسك بشرى الله لك : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ العنكبوت : 69 ] فالخطوة الأولى عليك ثم يأتيك المدد الإلهي عميما من حيث لا تحتسب ، والهداية طريق طويل طويل لكن أول وأهم خطوة فيها : المجاهدة.

والبشارة الثانية من راشد هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي قال وكأنه يهوِّن عليك مشقة العمل

الصالح ويروِّح عليك بمراوح الرجاء : " أحب

الأعمال إلي الله ما أُكرهت عليه النفوس " .

والبشارة الثالثة أن النفوس اليوم قد تغيَّرت ، والزمان الحاضر ليس كالماضي في صلاحه وتقواه ، ومن ثم كان الثواب اليوم أعظم والأجر أوفى ، ولقد جاء ذلك في قول الإمام عبد الله بن المبارك : " إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا ، وإن أنفسنا لا تكاد تُواتينا إلا على كُرْه ينبغي لنا أن نكرهها "  فليت شعري لو أدرك ابن المبارك زماننا هذا ماذا سيقول ؟!!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.