أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة الثالثة والستـون في موضــــوع القهار القاهر

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :

* من خواص اسماء الله الحسنى (القاهر) (القهار):

قهر نفوس العابدين وقلوب العارفين وأرواح المحبين :

واعلم أن الله سبحانه قهر نفوس العابدين  وقهر قلوب العارفين وقهر أرواح المحبين ، فنفس العابد مقهورة بخوف عقوبته ، وقلب العارف مقهور بسطوة قربته ، وروح المحب مقهورة بكشف حقيقته ، فالعابد بلا نفس ، لاستيلاء سلطان أفعاله عليه ، والعارف بلا قلب لاستيلاء سلطان إقبال عليه ، والمحب بلا روح لاستيلاء كشف جلاله وجماله عليه.

 الفرق بين العابد والعارف :

واعلم أنه لا بقاء للمنى والرغبات مع شهود الجنان ببصر الإيمان ، ولا بقاء

للهوى والشبهات مع شهود النيران ببصر البرهان ، ولا بقاء للحظوظ والقلاقات مع شهود السلطان ببصر العرفان ، فمتى أراد العابد فرجة عن قيد مجاهدته قهرته سطوة العتاب فردته إلى بذل المهجة ، ومتى أراد العارف فرجة عن مطالبات القربة قهرته بوادر الهيبة فردته إلى توديع المهجة ، فشتان بين عبد مقهور بأفعاله ، وبين عبد مقهور بجلاله وجماله.

  فإذا قهر شهوته وغضبه ، وحرصه ووهمه ، وخياله ، فقد قهر أعداءه ، ولم يبق لأحد سبيل عليه ، إذ غاية أعدائه أن يسعوا فى هلاك بدنه ، وذلك إحياء لروحه ، فإن من مات وقت الحياة الجسمانية عاش عند الموت الجسمانى ، كما قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران : ١٦٩).

 من أنواع القهر :

واعلم أن قهر الحق سبحانه وتعالى للأغيار بتنغيص أحوال الدنيا ، وأن قهره الأحباب باختطاف الأسرار عما سوى المولى ، فليس لهم مع مخلوق قرار ، ولا للأغيار عندهم مقدار ، طلعت شواهدهم عند شهوده ، وبادت سرائرهم عند ظهوره ، فهم محو فيما هنالك ، الأشباح موجودة ، والأرواح مفقودة ، وفى

معناه أنشدوا : محوت اسمى ورسم جسمى   **** وغبت عنى ودمت أنتا

                    وفى فنائى فنى فنائى *****ففى فنائى وجدت أنتا

               فأنت منى خيال عينى *****وحيث ما كنت كنت أنتا

 قهر العباد بالموت :

واعلم أن الله تعالى قهر جميع عباده بالموت الذي ليس لأحد عنه محيد ، لم ينج منه نبى مرسل ولا صفى مفضل : ولا ينجو منه ملك مقرب ، ضاقت عند ذلك صولة المخلوقين وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين ، ويقال : إن الله تعالى يذيق ملك الموت طعم الموت فيقول عند الفزع : وعزتك لو علمت أن طعم الموت يكون مثل هذا ما قبضت روح أحد ، وناهيك من قهره للعباد أنه يقبض أرواح جميع المخلوقين ، ثم يقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيرد على نفسه : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فأين سلطان الجبابرة عند ذلك؟ وأين ولاية الأكاسرة فيما هنالك؟ وأين الأنبياء والمرسلون؟ وأين الملائكة المقربون؟ وأين السفرة الكاتبون؟ وأين آدم وذريته؟ وأين أهل الجحد والإلحاد؟ وأين أهل التوحيد والزهاد؟ زهقت النفوس وبليت الأرواح ، وبقى الّذي لم يزل ولا يزال.

وفى بعض الحكايات أن بعض خلفاء بنى العباس كان له غلام صاحب جيش له ، وأنه تملك خمسة آلاف غلام ، فقربت وفاة هذا الخليفة فأحضر أركان الدولة لأخذ البيعة لبعض أولاده ، وكان هذا صاحب الجيش قائما على رأسه ، وكانوا على بهو ، فنظر هذا الخليفة إليه فخاف صاحب الجيش أنه نظر سخطا فرجع القهقرى ، فسقط من ذاك البهو واندقت عنقه من هيبة نظر الخليفة ، فتوفى الخليفة فى ذلك الوقت والساعة ، فوضعوه فى بيت وتشاغلوا عن دفنه بأخذ البيعة لولى عهده ، فلما رجعوا إليه وجدوا الفأرة قد فقأت عينه التى نظر بها إلى ذلك الغلام. فسبحان من قهر عباده بما شاء من خلقه.

    وفى القصص أن النمرود خرج بعسكره ، وكان معسكره أربعة فراسخ فى أربعة فراسخ ، فقال لإبراهيم عليه‌السلام : قل لهذا الرب الّذي تدعوه حتى يخرج لمحاربتى ، فقال إبراهيم : إلهى تسمع ما يقول هذا الكلب ، فقال الله تعالى لجبريل عليه‌السلام : أرسل عليه أضعف بعوضة خلقتها ، فعرض جبريل جيش البعوض فوجد بعوضة عرجاء شلاء فسلطها الله عليه وقال لها : أمهليه ثلاثة أيام ، كل ذلك إبلاء للعذر وإبقاء للشكر ، فكانت البعوضة تتنقل على وجهه من جانب إلى جانب ، فلم يقلع عن غيه ، فصعدت البعوضة إلى دماغه ، وكانت تأكل دماغه ، حتى وضع عند رأسه مرزبة ، وكان كل من يدخل عليه يأمره أن يضرب بها على دماغه عشر مرات ، وكان يجد فى ذلك راحة حتى هلك ، قال الله سبحانه :(وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (الصافات : ١٧٣ )

[ الانترنت – موقع من خواص اسماء الله الحسنى - المؤلف: زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن النيسابوري القشيري المحقق: طه عبدالرؤوف سعد و سعد حسن]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .