أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة الخامسة والثلاثـون في موضــــوع القهار القاهر
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :
*إنه الله الجبار القهار :
من تأمل واقع المسلمين اليوم أدرك أنهم على شفا جرف هار ، فربما انهار بهم في مستنقعات الأعداء إذ لا خروج منها إلا بالتوبة النصوح والعودة إلى الله تعالى ، وتحكيم شرعه ، والتزام هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم ، اليوم نرى مشاحنات بين دول الإسلام ، ومطاحنات بين دول العروبة ، كل يريد الفتك بالآخر والتخلص منه ، وربما الاستيلاء على ثرواته وخيراته ، وربما تعاون مع الكفار للإطاحة بدولة مسلمة أو عربية أخرى ، لنيل مطالب الدنيا ، وهذا ولا ريب خروج من دائرة الإسلام ، إلى معسكر الكفر والإجرام ، فهلا من عقلاء يديرون شؤون دول الإسلام ، يدافعون عن بعضهم ليكونوا وحدة واحدة ، ودولة واحدة ، أليس ربنا واحد ، ونبينا واحد ، وديننا واحد ، فلماذا لا تكون قلوبنا واحدة ، ومشاعرنا تجاه بعضنا واحدة ، يخاف الواحد منا على أخيه ، يغضب لغضبه ، ويحزن لحرنه ، ويفزع لفزعه ، ويفرح لفرحه ، ويسع لسعده ، ويسعى جاهداً لنصرته ، ولو كان العالم كله بعتاده وعدته ضده ، وقف مع أخيه فالموت واحد ، والموت قادم لا محالة ، فأهلاً به ، وليكن ذلك جهاداً في سبيل الله عز وجل .
متى نرى تحقق ذلك ؟ وليس ذلك على الله بعزيز .
فإذا ما اختلت موازين الدين في قلوب المسلمين ، فلا تسأل عن العقوبة الربانية ، ولا تلومنَّ دولة إلا نفسها ، فما فُعل بعاد وثمود ومن قبلهم ومن بعدهم ما هو إلا دليل كفرهم وعنادهم .
فالله جل وعلا يرخي على عباده ستره ويسره ، ويرفع عنهم عسره ، يمهدهم بالمال والبنين ، ويزيدهم من النعم والخيرات ، والأنهار والأشجار ، والأمن والأمان ، فإذا طغوا وعصوا وتجبروا ، أذاقهم سوط عذاب ، قال تعالى : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[ النحل112 ]
لقد كنا في رغد من العيش ولا نزال ولله الحمد والمنة والفضل ، وله الشكر والعرفان ، ولكن دخلت علينا مداخل ، وفُتحت علينا الدنيا ، فتنافسها الناس فأهلكت البعض ، وأبقت آخرين ممن سلموا من شرها ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْماً ، فَصَلَّىٰ علَىٰ أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَىٰ الْمَيِّتِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَىٰ الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : " إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ ، وَإِنِّي وَاللّهِ لأَنْظُرُ إِلَىٰ حَوْضِيَ الآنَ ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيـحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ ، وَإِنِّي وَاللّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي ، وَلٰكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا " [ متفق عليه ] .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزيَتِهَا ، فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأنْصَارُ بِقُدُومِ أَبي عُبَيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قالَ : " أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ؟ " قالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللّهِ ، قَالَ : " أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشى عَلَيْكُمْ،وَلكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كما بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا،فَتُهْلِكَكُمْ كَما أَهْلَكَتْهُمْ "[رواه البخاري ومسلم ] .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .