أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة الخامسة والعشرون في موضــــوع القهار القاهر

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :

* فى القهر والغلبة :

      إنّا قد نجد أكثر المجاذبات والمحاربات فى أمور الدّنيا ، لا فى أمور الدّين ؛

 لأنّا نرى  الحروب بين أهل الملل  بعضهم فى إثر بعض ، أكثر من محاربتهم لمخالفيهم  ، تنازعا فى الدّنيا وتنافسا عليها ؛ كما نشاهده فى دار الاسلام من المنازعات على الممالك والأمصار. وهكذا سبيل سائر أهل الملل  فى بلادهم  ؛ وليس ذلك من جهة  أنّ أهل الاسلام شكّوا فى الاسلام ، وأنكروا ما جاء به محمّد (ص) بل ، اتّفقوا على الاقرار به والتّمسك بشرائعه وإقامتها. وكذلك سائر أهل الملل المتنازعين بينهم لم يشكّوا فى مللهم ولم يتنازعوا فيها ، ولكنهم آثروا الدّنيا على الدّين ، وهم موقنون بالثواب والعقاب اللّذين  وعدوا وأوعدوا بهما  ؛ فاختاروا عرض الدّنيا على الآخرة ، إلّا القليل من النّاس. ونرى كثيرا منهم يقتلون الأنفس ويأخذون الأموال ويرتكبون المحارم ويأتون الحدود ، وقد عرفوا ما يحرم  عليهم من ذلك ، وآمنوا بالعقاب على ما يرتكبونه فى أخراهم ، ولا يرتابون فيما  أوعدوا من العذاب الأليم ، ولا يشكّون فيما وعدوا  من الثواب العظيم على اجتناب هذه الحدود والقصد لأعمال  الخير ، وقد أيقنوا بذلك ويعتقدونه فى دينهم ؛ ولكن الشّهوة الغريزيّة تحملهم  على ذلك وتغلب  عقولهم ، حتى يختاروا الأخسّ  على الأفضل ، وذلك على يقين وبصيرة. وهذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى شاهد ودليل. ومن دفع هذا فقد ردّ العيان وكابر.

فان شغب مشغب وعاند  ودفع  العيان ، قلنا : فهل تشكّ  فيما يلحق أهل

 العبث  والفساد فى هذه الدّنيا من القتل والصّلب وقطع الأيدى والأرجل والحبس والضّرب وغير ذلك  ممّا يلحقهم على ما يرتكبونه ، وهم يشاهدون  ذلك ويعاينونه ولا يرتدعون؟ فهل يقدر  على دفع هذا أحد ، وهل يردّه إلّا مجنون؟! ولو  لا ما سنّه الأنبياء عيهم السلام  فى كلّ أمّة ، بأن  أقاموا فيهم أئمّة يأخذون على أيدى سفهائهم ، يعلّمون جاهلهم ويحامون  على ضعفائهم ويقمعون أهل العبث  والفساد ويقيمون فيهم الحدود من القصاص والقود وغير ذلك ، كما سنّه محمّد (ص) ، لتهارج النّاس ، وفسد أمر  العالم ولما كان يسالم  بعضهم بعضا كما يجرى عليه أمر أصناف الحيوان من المسالمة ؛ فانّها لا يعدو بعضها على بعض فى أجناسها ؛ إلا ما يعدو بعض الأجناس على بعض ويصيدها  للغذاء  وطلب الرّزق. ولكنّ النّاس قد طبعوا على الحرص والتّنافس على أعراض الدّنيا والجمع والادّخار وما ركّب فيهم من حبّ الشّهوات من النّساء  والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث وسائر ذلك من متاع الدّنيا ؛ وليس سبيل أصناف الحيوان هكذا. كما نرى أنّ إنسانا لو جمع ما يعلم أنّه يكفيه ألف سنة وزيادة ، لما انتهى عن الجمع والزّيادة فيه والحرص عليه ؛ وكل أصناف الحيوان تطلب غداءها  مقدار ما يشبعها ، وليس سبيلها سبيل البشر. فلذلك اختار الله عزوجل للنّاس أئمّة يسوسونهم ويقوّمونهم ، ليستقيم  أمر العالم ، ويكون فيه صلاح النّاس دينا ودنيا فيحيى الأنام ولا يهلكوا  ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ...) بما شرعه الأنبياء للنّاس وسنّوه وحملوهم عليه وأقاموا فيهم الحدود والأحكام.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .