أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــــــاته الحلقــة الثالثة والتسعون بعد المائــتين في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والتسعون بعد المائتين في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*شرح الدعاء النبوي: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت :

وفي قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الذكْر والدعاء: (ولا يَنفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ)، يعني بقوله: (الجدّ) يعني: العظَمة والمال والسلطان، فصاحبُه لا ينفعه ذلك، إنما ينفعه عملُه الصالح، وفي هذا يقول الإمام الطبري رحمه الله: ((لا ينفع ذا الجد منك الجد)) يعني: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا من المال والولد منكَ حظه في الآخرة؛ لأنه إنما ينفع في الآخرة عند الله العملُ الصالح، لا المال ولا البنون، كما قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ﴾، وهذا الذكْر ينبغي أنْ تنعقد عليه القلوب، وأن تستحضِره النفوس عارفةً دلالته ((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت))، فهنا في المسجد عقيبَ الصلاة ينعقد رزقُك يا عبد الله بقدْر ما تتوكل على ربك وتدرك دلالة هذا المعنى وتعلُّق قلبِك به سبحانه.

وما أجملَ ما قاله العلَّامة النووي رحمه الله، قال: في هذا الكلام دليلٌ ظاهر على فضيلة هذا اللفظ، فقد أخبَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، أن هذا أحقُّ ما قاله العبد، فينبغي أن يُحافَظ عليه، لأننا كلنا عبد لله، وألَّا نهمله، وإنما كان هذا الذكْر أحقَّ ما قاله العبد لما فيه من التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الخير جلبَه منه، والشر دفعَه منه سبحانه، والحثُّ على الزهادة في الدنيا والإقبال على الأعمال الصالحة.                          وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - معلقاً على قول النبيِّ صلى الله

عليه وسلم: "اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ"، وما تضمنه من التوحيد الخالص لله ربِّ العالمين: قال رحمه الله: "فَبَيَّن في هذا الحديث أصلين عظيمين: أحدهما: توحيد الربوبية: وهو أنْ لا مُعطِي لما منع الله، ولا مانع لما أعطاه، ولا يُتَوَكلُ إلا عليه، ولا يُسألُ إلا هو. والثاني: توحيد الإلهية: وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كلُّ من أُعطِي مالاً أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعاً له عند الله منجياً له من عذابه؛ فإن الله يعطي الدنيا من يُحِب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن * كَلاَّ﴾ [الفجر: 15 ـ 17] . يقول: ما كُلُّ مَنْ وسَّعتُ عليه أكرمتُه، ولا كُلُّ مَنْ قَدَرتُ عليه أكون قد أهنتُه، بل هذا ابتلاء؛ ليشكر العبدُ على السَّرَّاء، ويصبر على الضَّرَّاء، فمن رُزِق الشكر والصبر كان كلُّ قضاءٍ يقضيه الله خيراً له، كما في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقضي الله للمؤمن من قضاءً إلا كان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاءُ شَكَر فكان خيراً له، وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيراً له". وتوحيد الإلهية: أن يَعبدَ الله ولا يشركَ به شيئاً؛ فيطيعه ويطيع رُسُلَه، ويفعل ما يحبه ويرضاه. وأما توحيد الربوبية: فيدخل ما قدَّره وقضاه، وإن لم يكن مما أمر به وأوجبه وأرضاه. والعبد مأمورٌ بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الإلهية، ويستعين الله على ذلك وهو توحيد له، فيقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] والله أعلم. انتهى.

وبعد، فهذا جانب مما يتعلَّق بالرزق، وما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في نظرته إليه والسعي لتحصيلِه، ومِن خير ما يُقرَّر في هذا المقام بعد كلام ربِّنا سبحانه، كلامُ رسوله عليه الصلاة والسلام، تأمَّلوه حقَّ التأمُّل أيها الإخوة المؤمنون، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنه ليس شيءٌ يقرِّبكم إلى الجَنَّة إلا قد أمرتكم به، وليس شيءٌ يقرِّبكم إلى النار إلا قد نهيتُكم عنه، إنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ في رُوعي - يقول: إنَّ جبريل أوحى إليَّ، ونفَث في رُوعي يعني: في قلبي وحيًا من الله، ما هو؟ قال:- إنَّ نفْسًا لن تموت حتى تَستَكمل رزقَها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلَب، ولا يَحملنَّكم استبطاءُ الرزقِ أنْ تَطْلبوه بمعاصي الله، فإنَّ الله تعالى لا يُدرَك ما عنده إلا بطاعته)). [رواه عبد الرزاق، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم، وصحَّحه العلَّامة الألباني.]

فنسأل الله تعالى أن يجعل قلوبَنا سليمة، عليه متوكِّلة، إليه مفوِّضة، وأن يرزقنا من فضله وإحسانه وكرمه ما يكُون عونًا لنا في هذه الدنيا، وسبيلًا إلى الفوز برحمته ورضاه في الدار الآخرة.

[ الأنترنت – موقع الألوكة  - شرح الدعاء النبوي: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت- الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع ]

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته