أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة الثامنة والعشرون بعد المائــــة في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والعشرون بعد المائة في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

* تفسير سورة الكوثر { إنا أعطيناك الكوثر } :

فالمشركون الذين نزل فيهم القرآن، ما كانت عبادتهم لغير الله إلا في الدعاء

والالتجاء والذبح ونحو ذلك، وهم مُقِرُّون أنهم عبيدٌ لله، وتحت قهره، وأنَّ الله هو الذي يُدبِّر الأمر، ولكن دعَوهم والتجؤوا إليهم وذبحوا لهم؛ للجاه والشفاعة.

فمن ذبح لغير الله من الجن، أو الإنس، أو الملائكة، أو الأنبياء، أو

الصالحين، وغيرهم من الأصنام والأوثان - كان كمن سجَدَ لهم، وقد أشرَكَ بهذا الفعل، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لعَنَ الله من ذبح لغير الله))؛ رواه مسلم، ولا يجوز أكل ذبيحته؛ لأنها ممَّا أُهِلَّ لغير الله به.

﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]: الشانئ لغةً هو المبغِض، يقال: شنأ فلانًا شَنْئًا، إذا أبغَضَه وكرهه، وقد صحَّ عن ابن عباس أنه قال: ﴿ شَانِئَكَ ﴾ [الكوثر: 3]: "عَدُوَّك"؛ صحيح البخاري.

والأبتر في الأصل: المقطوع الذنَب، والمراد به هنا: الإنسان الذي لا يَبقى له

 ذِكرٌ بخير، ولا يدوم له أثرٌ.

فلا يوجد من شنأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بتره الله، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "إن الله سبحانه بتَرَ شانئَ رسوله من كلِّ خيرٍ، فيبتر ذكره وأهله وماله، ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزوَّد فيها صالحًا لمعاد، ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يُؤهِّله لمعرفته ومحبَّته، والإيمان برسله، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القُرَب والأعمال الصالحة، فلا يذوق لها طعمًا،

 ولا يجد لها حلاوةً، وإنْ باشَرَها بظاهره، فقلبه شاردٌ عنها".

كما يبتر سبحانه وتعالى أهلَ البدع والأهواء الذين خالفوا سنَّته، وهذه قاعدةٌ ثابتةٌ مطابقةٌ للواقع؛ قال أبو بكر بن عياش: "أهل السنة يموتون ويحيا ذكرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيَوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله: ﴿ إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر:3]".

فسورة الكوثر هي أقصر سور القرآن في عدد الكلمات والجُمَل، تتكوَّن من خبر، ثم أمرين معطوف ثانيهما على أولهما، ثم خبر، وعلى الرغم من كلماتها القليلة المحدودة تضمَّنت من المعاني البديعة والفصاحة والبلاغة الرائعة التي اقتضت بها أن تكون مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].

وقد حاول أدعياء النبوة على مرِّ العصور الإتيانَ بمثل هذه السورة لقصرها،

 ولا يعدو ما جاؤوا به أن يكون إلا مُحاكاةً لكلمات هذه السورة البديعة، فباءت محاولاتُهم بالفشل، وصاروا أضحوكةً بين الناس.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: قال المدائني: أُتي خالدُ بنُ عبدالله برجل

تنبَّأ بالكوفة، فقيل له: ما علامة نبوَّتِك؟ قال: قد أُنزل عليَّ قرآن، قيل: ما هو؟ قال: "إنا أعطيناك الجماهر، فصلِّ لربِّك ولا تجاهر، ولا تُطِع كلَّ كافر وفاجر"، فأمرَ به، فصُلب، فقال [له خالد] وهو يُصلب: "إنا أعطيناك العمود، فصلِّ لربِّك على عود، فأنا ضامنٌ لك ألَّا تعود.

 [  الأنترنت – موقع الألوكة - تفسير سورة الكوثر { إنا أعطيناك الكوثر }- محمد حباش ]

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته