أسمـــاء الله الحسنى وصفاتـــه الحلقة السبعـــون في موضوع الأول والآخـــر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة السبعون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

*البناء الأول للكعبة : تاريخ بناء الكعبة: الراجح في أول من بنى الكعبة:

. وقد صحَّ أن الذي بنى المسجد الأقصى هو سليمان عليه السلام؛ حيث روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا:..."[ ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس (1408)]

. قال الألباني في صحيح ابن ماجه (1156): (صحيح).

والنبي سليمان في ترتيب الأنبياء قبل الخليل عليهما السلام، وبينهما أكثر من ألف سنة كما بين ذلك كتب التواريخ؛ فهنا إما أن نقول: إن هذه الأحاديث ضعيفة لمخالفتها الواقع الذي بيَّنه القرآن، أو أن نُضَعِّف الثاني منها على أقل الأحوال، أو نقول: إن المراد ببناء إبراهيم عليه السلام هو بناء تجديد، وليس بناء تأسيس، وأما التأسيس للكعبة فقد حصل قبل إبراهيم عليه السلام؛ مما يدل على صحة أحد الأقوال السابقة التي تُبَيِّن

أن هناك بناءً للكعبة قبل زمن الخليل عليه السلام.

وأقرب تلك الأقوال الثلاثة: أن آدم عليه السلام هو أول مَنْ قام ببناء الكعبة المشرفة؛ وذلك لوجود عدة روايات في هذا المعنى، منها ما رواه الأزرقي بسنده عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومنها ما رواه البيهقي بسنده في دلائل النبوة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا؛ لكنه ضعيف لتفرُّد ابن لهيعة به كما بيَّن ذلك البيهقي نفسه، ومنها ما رواه البيهقي -أيضًا- بسنده في السنن الكبرى عن عروة بن الزبير أنه قال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ؛ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ هُودٍ وَصَالِحٍ، وَلَقَدْ حَجَّهُ نُوحٌ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الأَرْضِ مَا كَانَ مِنَ الْغَرَقِ أَصَابَ الْبَيْتَ مَا أَصَابَ الأَرْضَ، وَكَانَ الْبَيْتُ رَبْوَةً حَمْرَاءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ هُودًا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا بَوَّأَهُ اللَّهُ لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَجَّهُ، ثُمَّ لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ بَعْدَهُ إِلاَّ حَجَّهُ"[ البيهقي: السنن الكبرى (9618).] إن صحَّ هذا الحديث فإنه يدل على وجود الكعبة في زمن آدم عليه السلام؛

إذ إنه أول الأنبياء عليهم السلام.

والإسرائيليات حكمها أنها لا تصدق ولا تكذب، إلَّا إن دلَّ الدليل على كذبها فإنها تُرَدُّ، أو على صدقها فإنها تُصَدَّق، وهنا دلَّ الدليل على أن الكعبة مبنية قبل إبراهيم عليه السلام، ودلَّ على ذلك كما أشرنا سابقًا حديث بناء المسجد الأقصى بعد الكعبة بأربعين سنة، وحديث بناء سليمان عليه السلام للمسجد الأقصى؛ فتكون هذه الإسرائيليات التي تدلُّ على بناء آدم عليه السلام للبيت لها نوع من الصحَّة والصدق.

قال الدكتور عبد الله الطريقي في "تاريخ الكعبة المشرفة"  في معرض جوابه عن الإشكال الذي أشرت إليه آنفًا: (فالجواب عن ذلك كما قال أهل العلم: إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جدَّدا ما كان أسَّسه غيرهما، وليس إبراهيم أول مَنْ بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فجائز أن يكون بعض ولد آدم عليه السلام قد وضع بيت المقدس، كما رُوي أن آدم عليه السلام أول من بنى الكعبة).

والسياق القرآني -أيضًا- لا يدلُّ بصراحة على أنَّ إبراهيم عليه السلام هو

أول من بنى الكعبة بناء تأسيس، وإنما بيَّن أنه رفع قواعد الكعبة مع ابنه إسماعيل عليه السلام، ويحتمل هذا أن تكون تلك القواعد قواعد بيت قد بُنِيَ سابقًا ثم اندثر، أو قواعد بيت جديد؛ لذا قال ابن جرير في تفسيره: " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ أَنَّهُ وَابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوَاعِدَ بَيْتٍ كَانَ أَهْبَطَهُ مَعَ آدَمَ، فَجَعَلَهُ مَكَانَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ الْقُبَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَطَاءٌ مِمَّا أَنْشَأَهُ اللَّهُ مِنْ زَبَدِ الْمَاءِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَاقُوتَةً أَوْ دُرَّةً أُهْبِطَا مِنَ السَّمَاءِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ آدَمُ بَنَاهُ ثُمَّ انْهَدَمَ حَتَّى رَفَعَ قَوَاعِدَهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ. وَلَا عِلْمَ عِنْدَنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِخَبَرٍ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَا هُوَ إِذْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَرٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِمَّا يُدَلُّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالْمَقَايِيسِ فَيُمَثَّلُ بِغَيْرِهِ، وَيُسْتَنْبَطُ عِلْمُهُ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مَا قُلْنَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ"[ الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن] [الأنترنت – موقع قصة الإسلام - البناء الأول للكعبة - علي السبحاني الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام، موقع تعظيم البلد الحرام.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته