أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع الأول والآخر
نبذة عن الصوت
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه
الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :
* التوحيد أولا (لو كانوا يعلمون) خطبة جمعة :
لقد ابتُلِيَ كثيرٌ من النَّاس بالجهل بالتَّوْحيد؛ فانحازوا إلى أصحاب القبور، والتجؤوا إليهم، وتضرعوا أمام أعتابهم، فقبَّلوها وتمسَّحوا بها، واستغاثوا بأهلها في الشَّدائد والكروب؛ بل لقد كثر مروِّجوها والدَّاعون إليها من قبوريِّين ومخرِّفين، الذين يخترعون حكايات سَمِجَة عن القبور وأصحابها، وكرامات مختلَقَة لا تمتُّ إلى الصحَّة بنصيب، والذين ينشدون القصائدَ الطَّافحة بالاستغاثات والنداءات، التي لا تصلح إلا لفاطر الأرض والسماوات؛ بل لقد طاف بعض النَّاس بالقبور كما يُطاف بالكعبة المعظَّمة، وأوقفوا الأموال الطَّائلة على تلك الأضرحة، حتى إنَّه لتجتمع في خزائن بعض المقبورين أموالٌ تُعَدُّ بالملايين، ولقد أحسن القائل:
أَحْيَاؤُنَا لا يُكْرَمُونَ بِدِرْهَمٍ **** وَبِأَلْفِ أَلْفٍ يُكْرَمُ الأَمْوَاتُ
لقد قصَّر أناسٌ مع التَّوْحيد؛ فتقاذفتهم الأهواء، واستولت عليهم الفِتَن والأدواء، فمن مفتونٍ بالتَّمائم والحُرُوز، يعلِّقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشرَّ، وتذهب بالعَيْن، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾[الأنعام: 17].
وقد رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً في يده حَلْقَةٌ من صفر، فقال: ((ما هذا؟)). قال: من الواهنة. فقال: ((انْزعها؛ فإنها لا تزيدُكَ إلا وهنًا؛ فإنَّكَ لو متَّ وهي عليكَ ما أفلحتَ أبدًا)). رواه أحمد بسندٍ لا بأس به[مسند أحمد (4/ 445).
ولأحمد أيضًا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَنْ تعلَّق تميمةً؛ فلا أتمَّ الله له))[ مسند أحمد (4/ 154) وفي إسناده: خالد بن عبيد المعافري. ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 342) أنه لم يرو عنه سوى حَيْوَةَ بن شُرَيْح؛ فهو مجهول. انظر: السلسلة الضعيفة (1266).] ، وفي روايةٍ: ((من تعلَّق تميمةً فقد أشركَ))[ صحيح، مسند أحمد (4/ 156).
وإنَّ من المسلمين من قد افتتن بالمشعوِذين والدَّجاجلة الأفَّاكين، الذين يأكلون أموال النَّاس بالباطل بدعوى أنَّهم يكاشفونهم بأمور الغَيْب، فيما يسمَّى مجالس تحضير الأرواح أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا النَّاس - على حدِّ زعمهم - عمَّا سيحدث في العالم خلال يومٍ جديد، أو أسبوع سيُطِلّ، أو شهرٍ أوشك حلوله، أو عام مرتقبٍ: ﴿ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]. قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقَه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم))؛ رواه الأربعة والحاكم[صحيحٌ، سنن أبي داود (3904)، سنن الترمذي ح (135)، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى ح (9017)، وابن ماجه ح (639) والحاكم (1/ 8) وقال: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي.]
وإنَّ من النَّاس يا عباد الله مَنْ هو مفتونٌ بمستقبل الأبراج، فيمضي عاصِبَ العينَيْن فاقدَ البصيرة خلف قرَّاء الأبراج، الذين يدَّعون أنَّ السَّعادة كامنةٌ في أصحاب برج الجَدْي، والغنى مستقرٌّ في أصحاب برج العقرب، أما أصحاب برج الجوزاء فيا لتعاسة الحظِّ وخيبةَ الأمل... إلى غير ذلك من سيل الأوهام الجارف، والخزعبلات المقيتة: ﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [الطور: 38]، ﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الطور: 41 - 43].
اتَّقوا الله معشر المسلمين، واعلموا أنَّ التَّوْحيد هو حقُّ الله على العبيد، وهو إفراد الله بالعبادة، والعبادة: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظَّاهرة والباطنة.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته