أسمـــاء الله الحسنى وصفاتـــه الحلقة الخمســـون في موضـــوع الأول والآخــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الخمسون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

*كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى :

ونظرًا لأهمية هذه القاعدة ـ سلامة القلب والتجرد من الهوى ـ في تقويم الأشخاص والكتب كان من منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال أن كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى، والأقران هم النظراء في المكانة والعلم أو المتنافسون في مجال ما، فهؤلاء الأقران كثيرًا ما يقع بينهم شيء من الاختلاف لأي سبب من الأسباب؛ فيؤدي ذلك إلى وقوع بعضهم ببعض دون عدل أو تأنٍّ، حتى إن الواحد منهم قد يصف صاحبه بأوصاف يعلم يقينًا أنه بريء منها، ولكنّ حبّ الذات والانتصار للنفس يزكي فيه روح الغيرة والاعتداء. ومن أجل هذا كان النقاد الجهابذة من المحدثين يهملون هذا الجرح لأنه في الغالب لا يسلم من التجرد من الهوى ولا يصدر عن سلامة في القلب.

قال الإمام الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به, لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد... وما ينجو منه إلا من عصمه الله، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين, ولو شئت لسردت من ذلك كراريس" فإذا كان هذا كلام الذهبي في زمانه السالف وما قبله فكيف بحالنا اليوم؟!

وقال السبكي: "الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكّوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه مِن تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة، ولو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة؛ إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون.

فتأمل أخي المسلم كيف كان منهج سلفنا في تقويم الأشخاص, وكيف أصبحنا اليوم نقع في الأشخاص وننقدهم النقد اللاذع, ليس لأننا رأينا أخطاءهم بالعمل, ولكن اعتمادًا على كلام أقرانهم وقدح منافسيهم فيهم, مع أن ذلك لا يصلح الاعتماد عليه في النقد والتقويم, بل يطوى ولا يروى كما قال الأئمة.

ومن المهم أن ندرك أن صورة ذلك الاختلاف بين الأقران لا تقف عند المحدثين فحسب، بل تتعداه في عصرنا إلى العلماء والدعاة وشتى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية.

ولذا كان المنهج القسط أن ينظر إلى الخلفيات التي تكمن وراء الجرح والنقد، ومن ثم يوزن الجرح أو النقد بما يقتضيه الحال مع التحري والإنصاف, حتى لا يُتَّهم أحد بما ليس فيه، فليس كل جرح مؤثرًا، وليس كل اتهام مقبولاً. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه". فتأمل كيف ابتعد الناس اليوم عن معنى هذا الكلام المستقيم؛ حيث أصبحوا يفقدون الثقة بعضهم ببعض اعتمادًا على شائعة أو اتباعًا لكلام حاسد.

ومن التجرد من الهوى الفرح بإصابة الغير للحق والحزن على مجانبتهم له، ولعل هذا الأمر من أصعب الأمور؛ لأنه يمثل قمة العدل والتقوى والورع ، ومما يؤسف ويحزن أننا نرى الكثيرين من دعاة المسلمين اليوم ـ فضلاً عن عامتهم ـ إذا رأوا غيرهم قد أخطأ فإنهم يفرحون بذلك, حتى يحسبونه غلبة, بل إنك ترى الكثيرين منهم يتتبع الكتابات والمقالات التي قالها غيرهم, وهمهم الوحيد هو تتبع العثرات والفرح باصطيادها, في الوقت الذي لو وجدوا خلاف ذلك ـ من إصابة غيرهم للحق ـ فإنهم يحزنون لهذه الإصابة، وهذا ـ والعياذ بالله ـ هو الظلم والحقد والحسد والذي لا يلتقي مع الإخلاص والعدل وحب الخير للناس، وما أحسن الحكاية التي ذكرها ابن رجب رحمه الله حول هذا الأمر؛ حيث قال: "وقد استحسن الإمام أحمد ما حكي عن حاتم الأصم أنه قيل له: (أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته, فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: بثلاث؛ أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه

أن أقول له ما يسوؤه. ـ أو معنى هذا ـ فقال أحمد: ما أعقله من رجل).   

[الأنترنت – موقع الكلم الطيب - من لوازم الحكم على الآخرين.. سلامة القلب والتجرد من الهوى ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته