أسمـــاء الله الحسنى وصفاتـــه الحلقة الثالثة والأربعـــون في موضوع الأول والآخـــر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

* احترام الآخرين :

ولقد مدحَ اللهُ -تعالى- نبيَّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- في القرآنِ بأخلاقِه العظيمةِ، فقالَ سُبحانَه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]، ومع مكانتِه العاليةِ، ومنزلتِه السَّاميةِ، لم نسمعْ في سيرتِه أنَّه احتقرَّ أو أساءَ إلى أحدٍ، وعندما أعرضَ مرَّةً عن ابنِ أمِّ مكتومٍ -رضيَ اللهُ عنه- لا لشيءٍ إلا لانشغالِه في دعوةِ سادةِ قُريشٍ طَمعاً في إسلامِهم، جاءَه العِتابُ السَّماويُّ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى)[عبس: 1-4]

وليسَ من العقلِ: إساءةُ المعاملةِ مع الآخرينَ واحتقارُهم والتَّعالي عليهم، فالصَّغيرُ قد يطولُ به الزَّمانُ فيكبرُ، والفقيرُ قد يُحالفُه الحظُّ فيغتني، والمرؤوسُ قد يجتهدُ في عملِه فيَرأَسُ، وذلكَ الذي لم تحترمْه قد يكونُ مُديراً، وذلكَ الذي احتقرتَه قد يُصبحُ وزيراً، فيأتي اليومَ الذي تحتاجُ فيه إليه، وقد تُجبرُكَ الظُّروفُ فتشتكي إليه، وقد يدورُ الزَّمانُ فتقفُ بينَ يديهِ، والأيامُ حُبلى، وكما قالَ القائلُ:

الليالي من الزمانِ حُبالى *** مُثْقَلاتٍ يَلدْنَ كلَّ عَجيبِ

فإذا لم يمنعْكَ دِينٌ عن حُسنِ المُعاملةِ، فلتمنعْكَ دُنيا دوَّارةٌ لا ينفعُ بعدَها المجاملةُ، فما أقبحَ أن يتلَّونَ الإنسانُ في معاملتِه مع النَّاسِ، بحسبِ المكانةِ والمنصبِ والمالِ والأجناسِ، فتجده اليومَ جافياً غليظاً مُتكبِّراً يحتقرُ الضُّعفاءَ، وغداً بشوشاً سَمحاً يحترمُهم بعدَ أن أصبحوا أقوياءَ.

وَلاَ خَيْرَ فِي وِدِّ امْرِئٍ مُتَلَوّنٍ *** إِذَا الريحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ

فالرَّجلُ العاقلُ يوازنُ في التَّعاملِ بينَ مشاعرِه، ولا يأمن الزَّمانَ وتَقلُّباتِ أيامِه ومخاطرِه، فإذا أحببتَ فأَّحببْ من يستحقُّ الحبَّ بالمقدارِ الذي ينبغي به أن يُحبَّ، وإذا أبغضتَ فأبغضْ من يستحقُّ البُغضَ بالمقدارِ الذي ينبغي بِه أن يُبغضَ، دونَ غلوٍّ ولا تكلُّفٍ ولا مُبالغةٍ؛ كما قَالَ عليُّ بنُ أبي طَالبٍ -رضيَ اللهُ عنه- لابنِ الكَوَّاءِ: “هل تَدْرِي ما قال الأولُ؟ أَحْبِبْ حَبيبَكَ هَوْنًا ما، عَسَى أنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما، عَسَى أنْ يَكُونَ حَبيبَكَ يومًا ما“.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته