أسمـــاء الله الحسنى وصفاتـــه الحلقة الثانية والأربعـــون في موضوع الأول والآخـــر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثانية والأربعون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

* احترام الآخرين :

جلسَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يوماً بينَ أصحابِه، فقالَ لهم: “يأتيكم بقيةُ أبناءِ الملوكِ“، فَقدمَ عليهِ الصحابيُّ الجليلُ وائلُ بنُ حِجرٍ الحَضرميُّ -رضيَ اللهُ عنه- سَليلُ ملوكِ اليمنِ مُعلنًا إسلامَه.

فلما أتى وائلٌ رحَّبَ به النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وأَدناه، ثم أَعطاهُ أرضًا نَظيرَ ما تَركَ خَلفَه من المُلكِ والزَّعامةِ، وأَرسلَ معه مُعاويةَ بنَ أبي سفيانٍ -رضيَ اللهُ عنهما- ليَدُّلَه على مكانِها، وكانَ معاويةُ وقتَها من شدةِ فقرِه لا ينتعلُ حذاءً، فقالَ معاويةُ لوائلٍ: أَردفني على النَّاقةِ خَلفَك؟ فَقالَ وائلٌ: ليسَ شُحًّا بالنَّاقةِ، ولكنَّكَ لستَ رَديفَ الملوكِ، قالَ معاويةُ: إذن أعطني نعلَك، فقالَ له وائلٌ: ليسَ شُحًّا بالنَّعلِ، ولكنَّكَ لستَ ممن ينتعلُ أحذيةَ الملوكِ، ولكن امشِ في ظِلِّ النَّاقةِ.

ثُمَّ ما لَبثَ أن دَارَ الزَّمانُ دورتَه، ووَلَّى الفاروقُ -رضيَ اللهُ عنه- معاويةَ على الشامِ، ثم أبقاهُ عثمانُ -رضيَ اللهُ عنه-، ثم آلتْ خِلافةُ المسلمينَ بعد ذلك إلى معاويةَ -رضيَ اللهُ عنه-، فَجاءَ وائلُ بنُ حجرٍ -رضيَ اللهُ عنه- إلى الشَّامِ وقد جَاوزَ الثَّمانينَ من عُمرِه، ودخلَ على معاويةَ وكانَ جَالسًا على كُرسي المُلْكِ، فنَزلَ وأجلسَ وائلًا مكانَه، ثم ذَكَّره بالذي كانَ بينهما فيما مَضى، وأَمرَ له بمالٍ، قالَ وائلٌ -رضيَ اللهُ عنه- في المالِ: أَعطِه من هو أحقُّ به مِني، وقالَ في الموقفِ القَديمِ: واللهِ، وَددتُ بعدما رَأيتُ من حلمِك، لو رَجعَ بنا الزمانُ لأحملنَّكَ يَومَها بين يديَّ.

وهكذا الأيامُ تدورُ، والزَّمانُ يتبدَّلُ، والأحوالُ تتغيَّرُ.

وائلُ بنُ حجرٍ -رضيَ اللهُ عنه- كانَ حديثَ الإسلامِ، وتعاملَ مع معاويةَ -رضيَ اللهُ عنه- بما كانَ يتعاملُ به الملوكُ عادةً مع النَّاسِ، ثُمَّ نَدِمَ على موقفِه لا لأجلِ حُطامِ الدُّنيا، فهو لم يقبلْ عطيةَ معاويةَ، وإنما نَدمَ بعدَ إن استقرَّ الإيمانُ في قلبِه، وعلمَ أنَّ القاعدةَ الرَّبانيةَ، وميزانَ الإنسانيةَ، في التَّعاملِ مع الآخرينَ هو في قولِه تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].

أيُّها الأحبَّةُ: ليسَ من الدِّينِ احتقارُ الآخرينَ، والتَّكبُّرُ عليهم، فكتابُ اللهِ -تعالى- مليء بالحثِّ على كريمِ الأخلاقِ، وحُسنِ الآدابِ، واقرأَ قولَه تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 18-19].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته