أسمـــاء الله الحسنـــى وصفـــاته الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع الأول والآخر
نبذة عن الصوت
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه
الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :
* سلطان الأعمال والسلوك:
واستصحاب مشاهد وتفاصيل اليوم الآخر كفيلة بأنْ تعصمك من الزلل
والوقوع في الإثم، ألم تسمع قول الله تعالى: {لا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ 44 إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 44، 45]، قال الشنقيطي رحمه الله: «الإيمان باليوم الآخر كثيراً ما يجعله الله مذكوراً مع الإيمان به؛ لأنَّ من لم يؤمن باليوم الآخر لا يخاف بأساً يوم القيامة ولا يطمع في خير، فهو يفعل ما يشاء، فالكفر باليوم الآخر رأس كل شر، والإيمان به رأس كل خير» [ العذب النمير 6/536.]
. وإنْ كنا نوقن بأنَّ شبابنا غير كافرين باليوم الآخر، إلا إنه من المؤكد أنَّ طغيان المادة والشهوات قد أوقعني وكثيراً منهم في داء الغفلة عن ذلك اليوم، أو «النسيان» كما يسميه أبو علي الدقاق.
وأعظم ما يبعثه الإيمان باليوم الآخر تعظيم الله تعالى، إذ لا تبقى بعد ساعة الموت سلطة أو ملك إلا سلطان الله وملكه،
بل هو سبحانه ينادي في ذلك اليوم نداء جبروتياً عظيماً فيقول: «لمن الملك اليوم؟»، فذكر الآخرة يشيِّد في القلب بناء التعظيم والخوف والإجلال، حتى يصير أقوى رادع للإنسان عن انتهاك الحرمات، ولما راود الرجل بنت عمه على حين حاجة منها إلى المال، وأراد مواقعتها مقابل هذا المال، فمكنته من نفسها، قالت له حينها: اتق الله! فتزلزلت قواه، وأُلجم هواه، خوفاً من حساب الله له يوم الدين، ولذلك كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة : «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله» [أخرجه البخاري 1/440 كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين ح1423.]
إنَّ الشعور الدائم بخطورة الجزاء يوم القيامة على أعمال العباد ليمثل سلطاناً حقيقياً على السلوك، إذ تصنع الرقابةَ الوجدانية، تلك الرقابةُ التي تتحكم تماماً في نوع العمل الصادر من الإنسان، كما يقوم هذا الشعور
بصناعة المعايير القيمية الحاكمة على كافة التصرفات والخواطر والأفكار.
أما في مجال البذل والتضحية والفداء فإنَّ من قامت في قلوبهم حقائق اليوم الآخر تهون عليهم أنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم في سبيل الله؛ إذ علموا أنَّ الثمن جنة عرضها السماوات والأرض، فلا حاجة أصلاً في الترجيح بينها وبين الدنيا الفانية الزائلة.
وأما سلطان المادة فإنه يضعف ويذوب إذا ما قام في القلب واعظ اليوم
الآخر، فلم تعد لكل تفاصيل الدنيا قيمة تذكر، في قلبٍ ممتلئ بحقائق الجنة والنار.
من أجل ذلك؛ يحسن الاهتمام بتربية الناس على هذا الشعور، ومحاولة غرسه في أعماق وجدانهم، لأنه في حد ذاته يقوم بدورٍ تربوي داخل الفرد، يعصمه من الذنوب، ويدفعه إلى العمل الصالح، بتلقائية واعتياد.
التذكر الدائم لأحوال الآخرة مفصل من مفاصل التربية الإسلامية، وركيزة من ركائزها، ينبغي أنْ يستصحب في كافة مراحل التربية، ولا ينقطع بانتهاء مرحلة من المراحل. لقد نزل في أواخر ما نزل من القرآن الكريم آية تذكر المؤمنين باليوم الآخر، يقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته