أسمـــاء الله الحسنـــى وصفـــاته الحلقـــة الثانية والثلاثون في موضوع الأول والآخر
نبذة عن الصوت
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه
الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :
*أبناء الآخرة : سلطان الأعمال والسلوك:
بوجه عام، إن الناس لا يكونون مؤمنين حتى يؤمنوا باليوم الآخر وما فيه من الحساب والجزاء والجنة والنار.
أما حين نريد تزكية النفوس وتربية الناس فإننا بحاجة إلى عرض تفاصيل اليوم الآخر ومشاهده وأهواله وحيثياته، التي عرضها كتاب الله العزيز وسنة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، لما فيها من زيادة الإيمان وغرس اليقين، كما وصف حنظلة رضي الله عنه مجلسه مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «نكون عند رسول الله، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين!»[ أخرجه مسلم 4/2106 كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة... ح2750.]
هذا الوصف المتنوع عن اليوم الآخر في نصوص الوحي، والذي يتناوله
بكل التفاصيل والشمول والعمق يختصر المسافات في تربية الناس، حيث يبعث في القلب رقابة وجدانية، تقوم بترشيح العمل الصالح وتعضده، وتمنع العمل السيئ والسلوك الخاطئ من الانبعاث، فيستقيم الإنسان في عمله، لأنَّ قلبه يحدثه أنه محاسب يوم القيامة على هذا العمل، ويستقيم لسانه، لأنَّ قلبه يذكِّره بأنه محاسب على كل أقواله.
الاستقامة أبرز الصور الناتجة عن عمق الإيمان باليوم الآخر، لهذا فإنَّ
الاستصحاب التربوي لمشاهد وتفاصيل اليوم الآخر من أكثر ما يعين
المربين على إصلاح نفوس من يخاطبونهم، ومعالجة انحرافاتهم، وتقويم اعوجاجاتهم.
كثيراً ما يستخدم القرآن هذا النموذج في تعديل سلوك الناس، تأمل قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ 1 الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ 2يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ 3 كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْـحُطَمَةِ 4 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْـحُطَمَةُ 5 نَارُ اللَّهِ الْـمُوقَدَةُ 6 الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ 7 إنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ 8 فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} [الهمزة: ١ - ٩]. تفاصيل دقيقة تُعرض في سياق الحديث عن سلوك خاطئ.
هذا هو النموذج الأمثل في إصلاح الانحرافات السلوكية. وتأمل كيف
يحفز القرآن هذه النفس إلى العمل الصالح بعرض عاقبته في الآخرة، قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْـمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 16 فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17]، هذا هو نشاط العبادة وتعجيل التوبة كما يعبر عنه الشيخ أبو علي الدقاق رحمه الله.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته