أسمـــاء الله الحسنى وصفاتـــه الحلقـــة الثلاثـــون في موضـــوع الأول والآخـــر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثلاثون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

*أبناء الآخرة :

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون. فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل»

قال أبو علي الحسن بن علي الدقاق رحمه الله: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة[التذكرة للقرطبي ص14.]

هذا ما يفعله ذكر الموت في قلب وجوارح ذاكره، إنه وباختصار يصحح مسار الحياة.. هكذا يراه سلف الأمة وعلماؤها وصالحوها وأرباب الأحوال فيها. لقد تواطأت مذاهبهم وعباراتهم على أهمية ذكر الموت في إصلاح الإنسان، مستندين في أهمية ذكره إلى حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات» [أخرجه الترمذي 4/553 كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت ح2307.]

والموت هو إعلان القيامة الخاصة بكل حي، قال المغيرة بن شعبة رضي

الله عنه: «يقولون: القيامة القيامة! وإنما قيامةُ أحدِهم: موته»، وعن أبي قبيس، قال: «شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته»[ أخرجهما الطبري 23/468.]، وما يعقب الموتَ إلا توالي منازل الآخرة، ابتداءً بالقبر، ومروراً بأهوال البعث والنشر، وانتهاء بالمستقر، إما النعيم في الجنة وإما العذاب في النار، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ القبر أول منازل الآخرة» [أخرجه الترمذي 4/553 كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت ح2308.]

والآخرة نقيض الدنيا، والقرآن الكريم كثيراً ما يقارن بينهما، ويجعلهما قبالة بعض، قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْـحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].

 إنها الحياة التي تظهر فيها كل حقيقة، ويختفي فيها كل وهم، سواء كان هذا الوهم لهواً أو لعباً أو زينة أو تفاخراً أو تكاثراً، قال السعدي رحمه الله: «أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها أنْ تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأنْ يكون موجوداً فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان؛ من المآكل والمشارب والمناكح وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»[تفسير السعدي 3/1324.]

حين يحضر ملك الموت لقبض روح الإنسان.. من تلك اللحظة تتكشف الحقائق لدى هذا الميت، وتبدأ حياته الجديدة، تحمل معها قوة جديدة، وأسلوب حياة جديداً، وتفاصيل عيش جديد؛ هو أطول من الحياة السابقة بكثير، بل لا مقارنة بينهما في المدة والقوة والتأثير. قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْـمَوْتِ بِالْـحَقِّ ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ،وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ،وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ،لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق: 19 – 22]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته