أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثانية والعشرون في موضوع الأول والآخر

نبذة عن الصوت

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :

*ثمرات معرفة معنى اسم الله الأول :

والله عزوجل يقول: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3]، فهذه الأسماء الأربعة لم ترد -فيما أعلم- إلا في هذه الآية من كتاب الله عزوجل ، وفي سنة رسول الله ﷺ في هذا الحديث الذي رواه الإمامُ مسلم في "صحيحه"، ونُثبتها لله -تبارك وتعالى-، ونُثبت ما تضمّنته من الأوصاف من غير تكييفٍ، ولا تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تمثيلٍ، فإنَّ أهلَ السُّنة -كما هو معلومٌ- يُؤمنون بأنَّ الله -تبارك وتعالى- لم يزل بصفاته -تبارك وتعالى- وأسمائه، ليس لأوَّليته ابتداء، ولا لآخريَّته انقضاء، وهو عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، كما قال حافظُ المغرب ابن عبدالبر -رحمه الله-.

فالأول هو السَّابق للأشياء كلِّها، الكائن الذي لم يزل قبل وجود الخلق، فاستحقَّ الأولية؛ إذ كان موجودًا ولا شيءَ قبله، ولا معه، هكذا فسَّره بعضُ أهل العلم: كالخطَّابي، وهو معنًى صحيحٌ، وقول البيهقي: هو الذي لا ابتداءَ لوجوده. وبنحو ذلك قال آخرون.

وهكذا بالنسبة للآخر، فإنَّه الباقي بعد فناء الخلق، وكذلك الذي لا انتهاءَ لوجوده، هكذا فسَّروه، وهو مُوافقٌ للحديث.

وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ فهذا تفسيرٌ أيضًا له، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- تكلّم على هذه الأسماء الأربعة بكلامٍ بديعٍ، ويأتي -إن شاء الله تعالى- ذلك مُفصَّلاً في الكلام على هذه الأسماء في شرح الأسماء الحسنى، فهو يُقرر أنَّ الله -تبارك وتعالى- سبق كلَّ شيءٍ بأوَّليته: هذا الأول، وبقي بعد كلِّ شيءٍ بآخريته.

ثم يذكر التَّعبد له -تبارك وتعالى- بمُقتضى هذه الأسماء، وكيف نتعبَّد باسمه الأوَّل؟ لأنَّ هذا يقتضي التَّجرد من مُطالعته الأسباب، والتفات إليها، وتجريد النَّظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، يعني: هو الذي أعطاك ابتداءً، فهو الأول قبل الأسباب، وقبل أن يُوجد أحدٌ من الخلق يُعطيك، أو يكون سببًا في نوالك، أو نحو ذلك من: البُرء، والغنى، والعلم، فالله هو الأول، وهو المبتدئ بالعطاء قبل أن يُوجد السَّبب، فهو خالقُ الأسباب، فلا يلتفت العبدُ إلى الأسباب، وإنما يعملها، ولكن لا يركن قلبُه إليها، ولا يتعلَّق بها، فهو يُجرد النَّظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنَّه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلةٍ من العبد؛ إذ لا وسيلةَ له في العدم قبل وجوده، وأي وسيلةٍ كانت هناك؟! وإنما هو عدمٌ محضٌ، وقد أتى عليه حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، فمنه سبحانه الإعداد، ومنه الإمداد، وفضله سابقٌ على الوسائل، والوسائل من مجرد فضله وجوده، ويقول: من نزل اسمه الأول على هذا المعنى أوجب له فقرًا خاصًّا، وعبوديةً خاصَّةً، لا يتعلَّق بشيءٍ،

وإنما يفتقر إلى مُسبِّب الأسباب، وإلى مُوجِدها وخالقها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته