أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة التاسعة عشرة في موضوع الأول والآخر
نبذة عن الصوت
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه
الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :
*ثَمَرَاتُ الإيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ :
2- جَرَىَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ - وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَحْيَانًا - تَسْمِيَةُ الرَّبِّ تَعَالَى بـ (الْقَدِيمِ)، وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى، وَالْتِزَامُ تَسْمِيَتِهِ بـ (الأَوَّلِ) هُوَ المُوَافِقُ لِلكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ، فَإِنَّ القَدِيمَ فِي لُغة العَرَبِ التِي نَزَلَ بِهَا القُرْآَنُ هُوَ: المُتَقَدِّمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَدِيمٌ للعَتِيقِ، وَهَذَا حَدِيثٌ للجَدِيدِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا هَذَا الاسْمَ إِلا فِي المُتَقَدِّمِ عَلَى غَيْرِه، لاَ فِيمَا لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [يس: 39]، وَالعُرْجُونُ القَدِيمُ: الذِي يَبْقَى إِلَى حِينِ وُجُودِ العُرْجُونِ الثَّانِي، فَإِذَا وُجِدَ الجَدِيدُ قِيلَ للأَوَّلِ: قَدِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 11]؛ أَيْ: مُتَقَدِّمٌ فِي الزَّمَانِ.
وَلِذَا فَقْدَ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ مِنْهُم ابنُ حَزْمٍ تَسْمِيَةَ الرَّبِّ تَعَالَى بِذَلِكَ[انظر: المصدر السابق (ص: 114-115).]
وَالصَّوَابُ أَنْ يُسْتَعَاضَ عَنْ هَذَا الاسْمِ بِالتَّسْمِيَةِ الوَارِدَةِ وَهِي (الأَوَّلُ)، واتِّبَاعُ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ أَلفَاظِ أَهْلِ الكَلاَمِ.
أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقٌ لاَ يَخْتَصُّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الحَوَادِثِ كُلِّهَا، فَلَا يَكُونُ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى.
أَمَّا مَنْ أَطْلَقَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَعَلَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ بَابِ الإخْبَارِ عَنْهُ تَعَالَى، وَبَابُ الإخْبَارِ عَنْهُ أَوْسَعُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي بَابِ الأسْمَاءِ الحُسْنِى وَالصِّفَاتِ كَالشَّيْءِ وَالمَوْجُودِ وَالقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَنَحْوِهَا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله وَغَيْرُهُ اهـ. [انظر: بدائع الفوائد (1/ 161)، ومختصر العقيدة الطحاوية (ص: 19) بتعليق الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله تعالى.]
*المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ :
فَعُبُودِيتُهُ باسْمِهِ الأوَّلِ تَقْتَضِي التَّجَرُّدَ مِنْ مُطَالَعَةِ الأَسْبَابِ وَالوُقُوفِ أَوِ الالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَتَجْرِيد النَّظَرِ إِلَى مُجَرَّدِ سَبْقِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ المُبْتَدِئُ بالإحْسَانِ مِنْ غَيْرِ وَسِيلَةٍ مِنَ العَبْدِ، إِذ لاَ وَسْيلَةَ لَهُ فِي العَدَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ، أَي وَسْيلَة كَانَتْ هنَاكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَقَدْ أَتَى عَليهِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُوَرًا، فَمِنْهُ سُبْحَانَهُ الإعْدَادُ وَمِنْهُ الإمْدَادُ وَفَضْلُهُ سَابِقٌ عَلَى الوَسَائِلِ، وَالوَسَائِلُ مِنْ مُجَرَّدِ فَضْلِهِ وَجُودِهِ لَمْ تَكُنْ بِوَسَائِلَ أُخْرَى. فَمَنْ نَزَّلَ اسْمَهُ الأَوَّلَ عَلَى هَذَا المَعْنَى أَوْجَبَ لَهُ فَقْرًا خَاصًّا وَعُبُودِيَّةً خَاصَّةً [طريق الهجرتين (ص: 40).] وَعُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الآخِرِ تَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ رُكُونِهِ وَوُثُوقِهِ بِالأَسْبَابِ وَالوُقُوفِ مَعَهَا؛ فَإِنَّهَا تَنْعَدِمُ لاَ مَحَالَةَ وَتَنْقَضِي بِالآخِريَّةِ، وَيَبْقَى الدَّائِمُ البَاقِي بَعْدَهَا، فَالتَّعَلُّقُ بِهَا تَعْلُّقٌ بِعَدَمٍ وَيَنْقَضِي، وَالتَّعَلُّقُ بِالآخِرِ سُبْحَانَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَيِّ الذِي لاَ يَمُوتُ وَلاَ يَزُولُ فَالمُتَعَلِّقُ بِهِ حَقِيقٌ أَلَّا يَزُولَ وَلاَ يَنْقَطِعَ، بِخِلاَفِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَهُ آخِرٌ يَفْنَى بِهِ.
كَذَا نَظَرُ العَارِفِ إِلَيهِ بِسَبْقِ الأَوَّلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَ الأَسْبَابِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ نَظَرُهُ إِلَيهِ بِبَقَاءِ الآخِرِيَّةِ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ الأسْبَابِ كُلِّهَا، فَكَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
فَتَأَمَّلْ عُبُودِيَّتَهُ بِهَذَينِ الاسْمَينِ وَمَا يُوجِبَانِهِ مِنْ صِحَّةِ الاضْطِرَارِ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ وَدَوَامِ الفَقْرِ إِلَيهِ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَأَنَّ الأَمْرَ ابْتِدَاءً مِنْهُ وَإِلَيهِ يُرْجَعُ، فَهُوَ المُبْتَدِئُ بَالفَضْلِ حَيْثُ لاَ سَبَبَ وَلاَ وَسِيلَةَ، وَإِلَيهِ تَنْتَهِي الأسْبَابُ وَالوَسَائِلُ فَهُوَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرُهُ، وَكَمَا أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَفَاعِلُهُ وَخَالِقُهُ وَبَارِئُهُ، فَهُوَ إِلَهُهُ وَغَايَتُهُ التِي لَا صَلَاحَ لَهُ وَلاَ فَلَاحَ وَلَا كَمَالَ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ غَايَتَهُ وَنِهَايَتَهُ وَمَقْصُودَهُ.
فَهُوَ الأوَّلُ الذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ المَخْلُوقَاتُ، وَالآخِرُ الذِي انْتَهَتْ إِلِيهِ عُبُودِيَّتُهَا وَإِرَادَتُهَا وَمَحَبَّتُهَا، فَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ شَيْءٌ يُقْصَدُ وَيُعْبَدُ وَيُتَأَلَّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَه شَيْءٌ يَخْلُقُ وَيَبْرَأُ، فَكَمَا كَانَ واحِدًا فِي إِيجَادِكَ فاجْعَلْهُ وَاحِدًا فَي تَأْلِيهِكَ لَهُ لِيُصْبِحَ عُبُودِيَّتَكَ، وَكَمَا ابْتَدَأَ وُجُودَكَ وَخَلْقَكِ مِنْهُ فاجْعَلْهُ نِهَايَةَ حُبِّكَ وَِإرَادَتِكَ وَتَأَلِيهِكِ لَهُ لتَصِحَّ لَكَ عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الآخِرِ فَهَذِهِ عُبُودِيَّةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهم، فَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ وَإِلهُ المُرْسَلِينَ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ. وَأَمَّا عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الظَّاهِرِ فَكَمَا فَسَّرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: "وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُوَنَكَ شَيْءٌ"[صحيح: أخرجه مسلم (2713).][طريق الهجرتين (ص: 40) لابن القيم رحمه الله.] [ الأنترنت – موقع الألوكة - معنى الأول والآخر- الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته