أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الأول والآخر
نبذة عن الصوت
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه
الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الأول والآخر ) وهي بعنوان :
*معنى اسم الله الأول والآخر :
قَدْ يَبْدُو فِي الظَّاهِرِ أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ أَبَدًا مُتَعَارِضٌ مَعَ إِفْرَادِ اللهِ تبارك وتعالى بِالْبَقَاءِ، وَأَنَّهُ الآخِرُ الذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، لَكِنَّ هَذَا التَّعَارُضَ يَزُولُ إِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نُفَرِّقَ فِي قَضِيَّةِ البَقَاءِ والآخِرِيَّةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى بِبَقاءِ اللهِ، ومَا يَبْقَى بِإبْقَاءِ اللهِ، أَوْ نُفَرِّقَ بَيْنَ الذَّاتِ والصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَبَقَاءِ المخْلُوقَاتِ التي أَوْجَدَها اللهُ كَالْجَنَّةِ والنَّارِ وَمَا فِيهِمَا، فَالْجَنَّةُ مَثَلًا بَاقِيَةٌ بِإبْقَاءِ اللهِ، وَمَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ مُتَوَقِّفٌ فِي وُجُودِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللهِ، أَمَّا ذَاتُه وصِفَاتُه فَبَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ مَا يَبْقَى بِبَقَاءِ اللهِ وَمَا يَبْقَى بِإِبْقَائِهِ، فَالْجَنَّةُ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ تبارك وتعالى، وَكَائِنَةٌ بِأَمْرِهِ، وَرَهْنُ مَشيئَتِهِ وَحُكْمِهِ؛ فَمَشِيئَةُ اللهِ حَاكِمَةٌ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى.
وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ يَعْتَبِرُونَ خُلْدَ الجَنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى مَا لا نِهَايَةَ إِنَّمَا
هُوَ بِإبْقَاءِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ، فالبَقَاءُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ مِنْ طَبيعَةِ الَمخْلُوقَاتِ، ولا مِنْ خَصَائِصِها الذَّاتِيَّةِ، بَلْ مِنْ طَبِيعَتِها جَمِيعًا الفَنَاءُ، فَالخُلُودُ لَيْسَ لِذَاتِ المخْلُوقِ أو طَبيعَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَدَدٍ دَائِمٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَإِبْقَاءٍ مُسْتَمِرٍّ لَا يَنْقَطِعُ، أَمَّا صِفَاتُ اللهِ تبارك وتعالى، وَمِنْهَا وَجْهُهُ وَعِزَّتُهُ وَعُلُوُّهُ وَرَحْمَتهُ وَيَدُه وقُدْرَتُه وَمُلْكُه وقُوَّتُه فَهِي صِفَاتٌ بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، حَيْثُ الْبَقَاءُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ للهِ، كَمَا أَنَّ الأَزَلِيَّةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ أَيْضًا، فَلَا بُدَّ إِذًا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ صِفَاتِ الأَفْعَالِ الإِلَهِيَّةِ وَأَبَدِيَّتِها وَطَبِيعَتِهَا، وَهَذَا مَا جَاءَ بِهِ القُرْآنُ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ البَقَاءِ، الأَوَّلُ وَهُوَ بَقَاءُ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، والثَّانِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]، فَالآيَةُ الأُولَى دَلَّتْ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَهِيَ صَفَةُ الوَجْهِ، وَدَلَّتْ عَلَى بَقَاءِ الصِّفَةِ بِبَقَاءِ الذَّاتِ، فَأَثْبَتَتْ بَقَاءَِ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا، وَأَثْبَتَتْ فَنَاء مَا دُونَها أَوْ إِمْكَانِيَّة فَنَائِه، إذْ إِنَّ اللهَ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيءٍ.
وَمِنْ مَعَانِي اسْمِ اللهِ الآخِر: أَنَّهُ الذِي تَنْتَهِي إليه أُمُورُ الخَلَائِقِ كُلِّهَا كَمَا وَرَدَ عِنْدَ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ البَراءِ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ"[ رواه البخاري (244).] [ الأنترنت – موقع الألوكة - معنى الأول والآخر- الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته