أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الواحدة الأربعون في موضوع "الحفيظ
نبذة عن الفيديو
بسم الله ، والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد :
فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع (الحفيظ) والتي هي بعنوان :
ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَينِ الاِسْمَيْنِ : وَلَقَدْ أَتَى عَلَى المُسْلِمِينَ أَيَّامُ فِتَنٍ سَوْدَاءَ، انْتَشَرَ فِيهَا أَهْلُ البِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَأَدْخَلُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ أَنْوَاعَ المُحْدَثَاتِ، وَافْتَرَوْا عَلَى رَسُولِ الأُمَّةِ صلى الله عليه وسلم أَنْوَاعَ المُفْتَرَيَاتِ، وَلَكِنَّهُم عَجَزُوا جَمِيعًا عَنْ أَنْ يُحْدِثُوا فِي هَذَا القُرْآنِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يُغَيِّرُوا فِيهِ حَرْفًا وَاحِدًا، فَبَقِيَ كَمَا هُوَ، وَبَقِيَتْ نُصُوصُهُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم[وأما الكتب السابقة التي لم يكتب الله عز وجل لها البقاء والحفظ، فوكل حفظها إلى الناس كما قال سبحانه: ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44]، فما حفظها أهل الكتاب -إلا مَن رحمَ الله منهم - ولا رعوها حق
رعايتها، فحرفوها وبدلوا آياتها، كما قصَّ الله ذلك في القرآن.]
وَكَذَا أَماكِنُ العِبَادَةِ، فَإِنَّ المَحْفُوظَ مِنْهَا هُوَ مَا حَفِظَهُ اللهُ سبحانه وتعالى، وَهُوَ خَيْرٌ حَافِظًا.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله عَنْ آيَاتِ اللهِ العَظِيمَةِ: وَكَذَلِكَ الكَعْبَةُ، فَإِنَّهَا بَيْتٌ مِنْ حِجَارَةٍ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ يَحْفَظُهَا مِنْ عَدُوٍّ، وَلَا عِنْدَهَا بَسَاتِينُ وَأُمُورٌ يَرْغَبُ النَّاسُ فِيهَا، فَلَيْسَ عِنْدَهَا رَغْبَةٌ وَلَا رَهْبَةٌ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ حَفِظَهَا بِالهَيْبَةِ وَالعَظَمَةِ، فَكُلُّ مَنْ يَأْتِيَهَا يَأْتيَهَا خَاضِعًا ذَلِيلًا مُتَوَاضِعًا فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ، وَجَعَل فِيهَا مِنَ الرَّغْبَةِ مَا يَأْتِيَهَا النَّاسُ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ مَحَبَّةً وَشَوْقًا مِنْ غَيْرِ بَاعِثٍ دُنْيَوِيٍّ، وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ مِنْ أُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي العَالَمِ لِبِنْيَةٍ[بنْيَة على وزن فعْلَة؛ كناية عن الكعبة، يقول العرب: لا ورَبِّ هذه البنْيَة.] غَيْرِهَا، وَالمُلُوكُ يَبْنُونَ القُصُورَ العَظِيمَةَ فَتَبْقَى مُدَّةً، ثُمَّ تُهْدَمُ لَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي بِنَائِهَا، وَلَا يَرْهَبُونَ مِنْ خَرَابِهَا.
وَكَذَلِكَ مَا بُنِيَ لِلْعِبَادَاتِ قَدْ تَتَغَيَّرُ حَالُهُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ، وَقَدْ يَسْتَوْلِي
العَدُوُّ عَلَيْهِ كَمَا اسْتَوْلَى عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَالكَعْبَةُ لَهَا خَاصَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا، وَهَذَا مِمَّا حَيَّرَ الفَلَاسِفَةَ وَنَحْوَهُم، فَإِنَّهُم يَظُنُّونَ أَنَّ المُؤَثِّرَ فِي هَذَا العَالَمِ هُوَ حَرَكَاتُ الفَلَكِ، وَأَنَّ مَا بُنِيَ وَبَقِيَ فَقَدْ بُنِيَ بِطَالِعٍ سَعِيدٍ، فَحَارُوا فِي طَالِعِ الكَعْبَةِ إِذْ لَمْ يَجِدُوا فِي الأَشْكَالِ الفَلَكِيَّةِ مَا يُوجِبُ مِثْلَ هَذِهِ السَّعَادَةِ وَالفَرَحِ وَالعَظَمَةِ وَالدَّوَامِ وَالقَهْرِ وَالغَلَبَةِ، وَكَذَلِكَ مَا فَعَلَ اللهُ بِأَصْحَابِ الفِيلِ لَمَّا قَصَدُوا تَخْرِيبَهَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ
* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].
قَصَدَهَا جَيْشٌ عَظِيمٌ وَمَعَهُمُ الفِيلُ، فَهَرِبَ أَهْلُهَا مِنْهُم فَبَرَكَ الفِيلُ، وَامْتَنَعَ مِنَ المَسِيرِ إِلَى جِهَتِهَا، وَإِذَا وَجَّهُوهُ إِلَى غَيْرِ جِهَتِهَا تَوَجَّهَ، ثُمَّ جَاءَهُم مِنَ البَحْرِ طَيْرٌ أَبَابِيلُ أَيْ جَمَاعَاتٍ فِي تَفْرِقَةٍ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ رَمَوْا عَلَيْهِم حَصًى هَلَكُوا بِهِ كُلُّهُم، فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُوجَدْ نَظِيرُهُ فِي العَالَمِ فَآيَاتُ الأنْبِيَاءِ هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى صِدْقِهِم"[ النُّبُوَّات (ص: 160 - 161).]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .