أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة العاشرة في موضوع الحسيب
نبذة عن الفيديو
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المحصي انظر إلى الجنين وهو في بطن أمه، كيف تكون حياته؟ وما الذي يقيمه؟ جعل الله جل جلاله- له من الأسباب ما لا يد له فيه، وما لا يد لأحد من الخلق فيه، حتى الأم فإنها لا تعطيه شيئاً، ولا تتمكن من ذلك، ثم انظر إليه حينما يخرج من بطن أمه فإنه يلتقم الثدي، وقبل ذلك لم يكن ثدي أمه دارًّا بالبن، فإذا خرج هذا المولود در ثديها، ثم هدى الله جل جلاله- هذا الصغير إلى التقام ذلك الثدي، فصار غذاؤه من هذا اللبن، وهكذا تستطيع أن تقيس على ذلك كل ما تشاهده في هذه الحياة، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يكفي الخلق؛ ولهذا يقول ربنا -تبارك وتعالى-: وَآتَاكُمْ مِنْ كل ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إبراهيم:34. حتى في حال المرض، فإن بعض أهل العلم يقولون: ينبغي أن يُترك المريض فيما يشتهيه من الطعام، فإن الله قد يلهمه ما تحصل به عافيته، ثم انظر إلى أهل البوادي حيث لا يجدون الأطباء، أهل القرى، والمدن، والأمصار عندهم أطباء، لكن حيث لا يوجد الأطباء في البوادي، فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وبعض أهل العلم -كابن خلدون- يقولون: "إن أهل البوادي لا يحتاجون إلى الأطباء كثيرًا"[ انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/7)، وتاريخ ابن خلدون (1/523).. ]، وإذا نظرت إلى حالهم، ومزاولاتهم في علاج الأمراض، والأدواء تجد أنهم يتوصلون إلى ذلك بأقرب طريق، وإذا نظرت إلى ما أعطاهم الله جل جلاله- من المنعة، والقوة، والقدرة على تحمل الأمراض وجدت ذلك يتناسب مع البيئة التي يعيشون فيها. بل لو سألتم من يتطببون، ويتعاطون طب الحيوان فإنهم يقولون: يوجد عند الحيوانات من المناعة أضعاف أضعاف ما عند الإنسان، كنت أتعجب! أسأل بعضهم حينما يجرون العمليات لهذه الحيوانات، ثم تخرج، فتتمرغ بالتراب، أمَا يحصل عندها تلوث، وتسمم، ومضاعفات، المريض يحتاج بعد العملية إلى مدة في المستشفى، يحتاج إلى معقمات، ومضادات وما أشبه ذلك؟، قالوا: هي لا تحتاج إلى شيء من هذا، عندها مناعة قوية جدًّا، تخرج من العملية، وتجدها رابضة في التراب، ولا يضرها ذلك شيئاً، من الذي هيأ هذا، وجعل لكل شيء ما يصلحه، ويناسبه؟، إنه الله -تبارك وتعالى- الذي كفى خلقه ما يحتاجون إليه، وأما الكفاية الخاصة فهي لأهل الإيمان، تكون لأوليائه، وأهل طاعته، أهل العبودية الخاصة الذين عرفوه، فتوجهوا إليه، وتعبدوا إليه عبودية الاختيار، فاشتغلوا بذكره، وشكره وعبادته، فهؤلاء الله -تبارك وتعالى- يكلؤهم، ويحوطهم، ويحفظهم، وينصرهم، كما قال الله -تبارك وتعالى-: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ الزمر:36، و"العبد" هنا مفرد مضاف إلى المعرفة، الضمير (الهاء)، وذلك للعموم، بمعنى: أليس الله بكاف عباده؟ ويدل على ذلك القراءة الأخرى المتواترة، فذلك لا يختص بالنبي ﷺ، نعم هو -عليه الصلاة والسلام- أولى من يدخل في هذه الآية، ولكن الآية تشمل رسول الله ﷺ، وتشمل أهل العبودية الخاصة، بقدر ما يحققون من هذه العبودية بقدر ما يكون لهم من الكفاية؛ لأن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، أليس الله بكافٍ عباده؟! على قدر ما يكون عندنا من العبودية على قدر ما يحصل لنا من الكفاية، إن زاد هذا زادت الكفاية، إن زاد الوصف زاد الحكم المرتب عليه، وهو الكفاية، وإن نقص الوصف وهو العبودية نقصت كفاية الله جل جلاله- للعبد بحسب ما قصر، وفرط، ونقص من عبوديته، فمن أراد كفاية الله جل جلاله- فليقبل عليه، ليتقرب إلى الله -تبارك وتعالى-، لا سيما عبادات السر، إذا كان للعبد خبيئة لا يطلع عليها إلا الله جل جلاله- ولو كانت يسيرة- فإنه يجد أثر ذلك في الملمات، والكروب، والشدائد حينما تداهمه (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (11560)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (2961). ]، (احفظ الله يحفظك)[ أخرجه أحمد في المسند، برقم (2669)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (5302). ] ، فهذه أمور يحتاج المؤمن أن يربى عليها نفسه. وأكثر ما جاء وصف (الحَسْب) في القرآن إنما يراد به هذا النوع الخاص، وهو كفاية أهل الإيمان، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُآل عمران:172-173، أي: أن الله يكفينا، ونعم الوكيل، فهذا كفاية لأهل الإيمان؛ ولهذا قال: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍآل عمران:174، حصلت لهم الكفاية، لم يمسسهم سوء، انقلبوا بألطاف الله جل جلاله-. وهكذا في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64، أي: أن حسبهم الله، وليس المعنى: أن حسبه الله، وأن حسبه من اتبعه من المؤمنين، أي: أن الله يكفيه بألطافه، وقوته، ومعونته، ويكفيه بأهل الإيمان، ليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: أن الله كافيك، وأنه يكفي من اتبعك من المؤمنين، فالله كافٍ أولياءه، هذا هو المعنى، حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين، فهذا كله بهذا المعنى الخاص من الكفاية، هذا المعنى الأول للحسيب، يعني: الكافي الكفاية العامة، والكفاية الخاصة. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم